الرئيس المقبل غير عادي

TT

هناك اجماع على ان انتخابات الرئاسة الاميركية غير عادية بالمقاييس الاميركية نفسها. لكن في كل انتخابات كان يقال ان الرئيس الجديد غير عادي، فرونالد ريغان كان ممثلا سينمائيا. وبيل كلينتون عكس شبابه المرحلة الجديدة لما بعد الحرب الباردة. وبوش كان أول ابن رئيس يصبح رئيسا. أما من يصنفون بأنهم أعظم الرؤساء فهم لينكولن وواشنطن وروزفلت.

إنما الاحصنة الراكضة في انتخابات الرئاسة المقبلة هذه المرة بالفعل غير عادية تماما. فنحن امام احتمالات قوية، بأن يكون الفائز باراك أوباما ليس فقط كونه أول أسود وابن مهاجر كيني، بل لأنه يملك حضورا قويا على المسرح السياسي بأفكاره وأدائه. وزوجة الرئيس السابق كلينتون هي الأخرى ليست فقط أول امرأة، بل محامية عرفت بأنها واحدة من أهم محامي الولايات المتحدة، قبل أن يكون زوجها رئيسا. ولو جاء الفائز من الحزب الحاكم اليوم، أي الجمهوري، فإنه الآخر يتميز بجون ماكين. وهذا الرجل أكثر وضوحا حيال سياسة بلاده من أي زعيم جمهوري سابق، يماثل بوش الأب، حيث جاء من خلفية عسكرية وحزبية غنية. ولو فاز لكان أكبر انقلاب على المحافظين المتشددين داخل الحزب، وضربة قاصمة للمحافظين الجدد. أما إن كان المنصب من حظ رومني فإن في ذلك تغيرا حقيقيا في فهم الناس العاديين لمفهوم الرئاسة، كون الرجل مورمنيا، طائفته تعتبرها الأغلبية المسيحية في البلاد خارجة عن الملة. أي أن انتخابه يماثل انتخاب الأغلبية الشيعية في العراق سنيا، او الأغلبية السنية في بلد آخر شيعيا. إنه يمثل أقصى مفاهيم التسامح، والحكم على المرشح من خلال برنامجه السياسي لا على دينه او عرقه.

انتخابات غير عادية أيضا بسبب الجمهور أيضا. صغار السن دخلوا الى الحلبة السياسية التقنية الحديثة بشكل لافت للنظر، واجتذبهم بشكل خاص شاب مثل أوباما، الذي أحيا فيهم رغبة المشاركة. الشباب ظاهرة لافتة بسبب أوباما، الذي هو نفسه ظاهرة. راقبوا انتخابات الثلاثاء العظيم في أكثر من عشرين ولاية حلبة سباق عظيمة، حيث أن الشباب هم جند أوباما. فعلى موقع كلينتون 22 ندوة ومناسبة، في حين على موقع أوباما 190 وهذا هو الفارق بين المعسكرين. لكن العبرة قطعا فيمن يذهب إلى الصندوق وينتخب وليس فيمن يناظر على المواقع الإلكترونية، وهنا يطالع الجميع سلوك الناخبين الشباب المتهمين دائما بأنهم ينأون عن المشاركة السياسية.

الخيول تتسابق باتجاه البيت الأبيض بيضاء وسمراء، جامحة ومتوثبة، في ما يشبه تصفيات دوري كرة القدم، ويبقى السؤال الأهم، هل الآلة السياسية في واشنطن ستسمح للرئيس بأن يغيّر كثيرا؟

أثبت تاريخ الرئاسة ان القليلين من الرؤساء ثوريون في المنهج. وكل من يحكم يغيّر في حدود بسيطة، فمعظم الرؤساء كانوا يسايرون الوضع العام، إما بسبب الحسابات الحزبية، والسياسية العامة، أو عن قناعة، أو بسبب عجزهم القيادي. ولهذا يبقى الرئيس الراحل جون كينيدي شخصية مميزة في التاريخ الأميركي، ليس لأنه آيرلندي وكاثوليكي بخلاف من سبقوه من الرؤساء، بل لأنه تصدى للتفرقة العنصرية ودعم حركة الحقوق المدنية فدخل التاريخ وصار من أهم الزعماء، رغم أنه من أقصرهم عمرا، حيث اغتيل بعد عامين من توليه الرئاسة. وكذلك الرئيس ريغان الذي رغم سخرية الكثيرين من جهله بالسياسة إلا أن إصراره على مقارعة موسكو أسقط في النهاية الاتحاد السوفييتي وغيّر التاريخ.

[email protected]