ما رأيكم؟!

TT

في إحدى القرى النائية هناك رجل يملك محطة بنزين متواضعة على احد الخطوط الطويلة، وكان الرجل مشهوراً بالمروءة والشهامة، وكثيراً ما ملأ خزانات سيارات زبائنه (على الحساب) ـ أي أنهم يدفعون له فيما بعد، إذا تيسرت لهم الأمورـ.

وأخذ يقتصد ويوفر إلى أن جمع في حدود سبعين ألف ريال من أجل أن يوسع المحطة.

وذات مساء جمع المبلغ ووضعه في صندوق حديدي لأخذه للمنزل، ووضع الصندوق على الأرض وأقفل المحطة وانطلق إلى منزله، وعندما وصل تذكر انه نسي الصندوق في مكانه، ورجع على وجه السرعة، غير انه لم يجده.

وانتشر خبر سرقة الصندوق وضياع ماله الذي وفرّه طوال سنة كاملة فتشاور الخيرون من كبار أهل القرية فيما بينهم في المسجد، واستقر رأيهم على دعمه والوقوف بجانبه في محنته هذه، وفعلاً تبرع له كل واحد بقدر استطاعته إلى أن جمعوا له كامل المبلغ الذي سرق ـ كل هذا كان يجري من دون علمه ـ

وفي أحد الأيام أقاموا له وليمة، وقدموا له ذلك المبلغ عربوناً على شكرهم له، حاول الاعتذار ولكن تحت إلحاحهم وإصرارهم رضخ ووافق.

وبدأ في إصلاحات وتوسيع المحطة.

وفي صباح ذات يوم وفيما هو قادم لبدء العمل، وإذا بشاب يتقدم نحوه ويسلم عليه، ويعرفه باسمه، ثم يقدم له الصندوق المفقود، وعندما فتحه وإذا بالمبلغ يرقد فيه بأمان وسلام.

تعجب الرجل، وسأل الشاب: أين وجدت الصندوق؟!، فقال: انني لم أجده ولكنني أخذته عنوة، وكنت اعتقد أن به بعض (العدّة)، وتفاجأت انه يحتوي على هذا المبلغ الكبير.

سأله: ولماذا تركته عندك أكثر من أربعة اشهر ولم تعده إلاّ الآن؟! فقال: إنني أريد أن أكون صريحاً معك، فقد كنت قبل ذلك أعمل وفصلت من عملي، ولم أسرق في حياتي كلها، ولكن لا ادري لماذا أغواني الشيطان، وأخذت ذلك الصندوق، ولا أكذب عليك إنني دخلت بمبلغك في سوق الأسهم، وكسبت خلال أربعة اشهر وأصبح المبلغ (380) ألف ريال، والآن قسمته بيني وبينك بالنصف، والمبلغ الذي يخصك في الصندوق هو (190) ألف ريال وليس (70) ألف ريال.

شده الرجل من المفاجأة وطلب من الشاب أن يبقى معه حتى يستفتي أهل العلم بالموضوع، وفعلاً اجتمع مع بعض الكبار ممن يفهمون بالشرع.. وقد انقسموا إلى ثلاثة آراء.

الأول يقول: إن ذلك الشاب يعتبر سارقا، ويجب أن ينال العقاب، وليس له حق في أي ريال.

والثاني يقول: إن ذلك الشاب له الحق في (10%) فقط نتيجة جهده في تنمية ذلك المبلغ.

والثالث يقول: إن ذلك الشاب عندما أعاد المبلغ فهو في الواقع (ندم)، وكان في استطاعته أن يستأثر بالمبلغ كله، وهذا بحد ذاته يعتبر (كفّارة).. وختموا كلامهم بـ: «من عفا وأصلح فأجره على الله».

فما كان من الرجل صاحب المحطة، إلاّ أن يعفو عن الشاب متنازلاً عن نصف المبلغ له، وأخذ هو فقط (70) ألف ريال التي تخصه يريد أن يعيدها للذين تبرعوا له ودعموه، غير أنهم رفضوا أن يأخذوا ريالاً واحداً منها، وما تبقى هو (120) ألف ريال تصدق بها على الأسر الفقيرة، وبينما هم في هذا الجو المفعم، وإذا بهم يتفاجأون أن ذلك الشاب يتبرع أيضاً من حصته بعشرة آلاف ريال للتصدق على الفقراء والمساكين، وفي ثاني يوم ودعهم وانطلق مسافراً ولا يدرون إلى أين!

ولا استبعد انه إما أن يكون قد تزوج بها، أو (خبص) بها ـ والاحتمال الثاني هو الأقرب ـ فما رأيكم؟!

[email protected]