حظوظ الرجل الأسود في البيت الأبيض

TT

حينما كنت أدرس في الولايات المتحدة الأمريكية في عقد السبعينات من القرن الماضي، أقمت في عمارة جل سكانها من الأمريكيين السود، منهم الرياضي، والفنان، وأستاذ الجامعة، والعاطل، والصالح، والطالح، وربطتني ببعضهم صداقات عميقة، ورفقة حميمة امتدت لسنوات.. وكان سباق الانتخابات الرئاسية على أشده بين جيمي كارتر وجيرالد فورد.. وفي مثل تلك الأجواء كثيرا ما يندلق السؤال: هل يمكن أن يحكم الولايات المتحدة رجل أسود؟ أو بعبارة أخرى: ما مدى حظوظ الرجل الأسود في البيت الأبيض؟ في ذلك الوقت لم يكن أكثر المتفائلين من السود يتصور حدوث ذلك في سنوات قريبة قادمة، فالكثيرون يرون أن ثمة تعقيدات اقتصادية ونفسية واجتماعية تعوق طموح الرجل الأسود إلى البيت الأبيض.. واليوم بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود يخوض الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي السيناتور الأسود باراك أوباما، ويحمل من الحظوظ ما لم يحمله قبله أي حالم أسود، إذ تشهد أمريكا اليوم ما يطلق عليها «ظاهرة أوباما»، الرجل الذي يجسد أمل الكثيرين من السود والبيض في إحداث تغيير رئيسي على «كلاسيكيات» الرئاسة الأمريكية، وهو على درجة من الذكاء بحيث لم يقدم نفسه كمتحدث باسم السود، بل باسم كل الأمريكيين الحالمين بالتغيير، والمبادئ، والمثل، ولتأكيد هذا التوجه نأى بنفسه عن الارتباط بالوجوه السياسية التقليدية السوداء أمثال: أندرو يونغ، والقس جيسي جاكسون، ولم يكتف بذلك بل راح يستثمر وجودهما في الجهة المقابلة لتعميق القناعة لدى الناخب بأن رسالته ذات بعد شمولي ينضوي تحتها البيض والسود على قدم المساواة، وهو اليوم يشكل المثال للكثير من الشباب الأمريكي، وعبرت عن ذلك كارولين ابنة الرئيس الأمريكي الأشهر جون كيندي حينما كتبت عن باراك قائلة: «لم أتعرف إلى رئيس يلهمني كما يقول الناس إن والدي ألهمهم، لكن للمرة الأولى أعتقد بأننا وجدنا الرجل الذي يمكن أن يكون هذا الرئيس، ليس فقط بالنسبة إليّ، بل بالنسبة إلى جيل جديد من الأميركيين».

واليوم في ظل ظاهرة «أوباما» يمكن أن نعاود السؤال: ما مدى حظوظ الرجل الأسود في البيت الأبيض؟ مهما تأرجحت الإجابات بين أقصى حدود الـ«نعم» إلى أبعد تخوم الـ«لا»، فإن باراك حسين أوباما ـ ابن راعي الغنم في كينيا ـ بمقدراته، وعلمه، وتنوع مرجعيات تكوينه، ربما يكون الأقدر على تغيير الصورة النمطية لأمريكا في عيون العالم.. وما أحوجها إلى ذلك.

[email protected]