مهاجران في الإليزيه

TT

قالت الصحف، قالت التلفزيونات، قالت الإذاعات أمس، إنه أول زواج في قصر الاليزيه. هذا صحيح جزئيا. الصحيح كليا أن هذا أول زواج في الاليزيه بين مُهاجريَن: السيدة الأولى إيطالية والرئيس ابن مهاجرين من هنغاريا وأضف، أن الفرنسية الأولى لا تحمل الجنسية بعد، فهي هنا بموجب إقامة مدتها عشر سنوات.

إليك مفارقة أخرى: أكثر رؤساء فرنسا محاربة لتدفق المهاجرين هو، حتى الآن، نيكولا ساركوزي، الذي تقول الاستفتاءات شبه الرسمية إنه فقد الكثير من شعبيته. لماذا؟ لأنه حتى الفرنسيون الذين اعتادوا فكرة وجود العشيقة على مقربة من الاليزيه، فاجأهم أسلوب الرئيس الجديد. رجل «غارق في السعادة» كما تقول «الموند»، فيما كثيرون لا يملكون سبل العيش اللائقة.

دار نقاش مع عدد من الأصدقاء حول مظاهر الرئيس ساركوزي: السروال القصير والسفر برفقة صديقة بعد أسابيع من الطلاق من سيدة قامت من أجله بالمهمة الرسمية الأولى (الممرضات البلغاريات في ليبيا). وكان إجماع الفريق الآخر أن الفرنسيين قوم ليبراليون يحبون أن يكون لرؤسائهم عشيقات وقصص غرامية. وكنت المعترض الوحيد. الفرنسيون في أكثريتهم، قوم محافظون أكثر بكثير مما نعتقد. وإذا كان لا بد من معصية، يكون ذلك بالستر.

ثمة شيء إلزامي في الرئاسات والزعامات، فرنسا أو غيرها، هو الوقار. وعندما أدرك ايزنهاور أن أدلاي ستيفنسون، أحد أذكى السياسيين الأميركيين، يكثر من الدعابات الذكية، قال «سوف يفقد هذا الرجل الفريد الكثير من هيبته، إذا اعتقد أن الأميركيين يفضلون الذكي على الوقور». اعتادت أميركا على صورة الرئيس يعدو في الحديقة لأداء التمارين الرياضية، لكن فرنسا لم تعتد أن ترى رئيسها بالسروال القصير في أقاصي الأقصر. هذا كان ذات يوم بيت شارل ديغول، ولو أن العصر تغير أو تمادى في التغيير.

هل فقد نلسون مانديلا وقاره عندما ارتدى القميص الفاقع الألوان؟ لا. هذا هو الزي الشعبي في بلاده. لكن عندما ارتدى القميص نفسه الجنرال إميل لحود والعقيد معمر القذافي بدا الأمر مختلفا. ثمة وقار ملزم للرؤساء، حتى في ساعات الراحة وأيام الإجازة. ولذلك استكثر الفرنسيون على رئيسهم مظاهر المبالغة في الفرح. أو بالأحرى في إظهار الفرح. فالسعادة مسألة شخصية وحميمية جدا. لكن التعبير عنها يجب أن يظل شخصياً أيضاً. وتظل قاعدة «الأسلوب هو الرجل»، التي وضعها يومارشيه، صحيحة إلى حين يتعلق الأمر بسيد الاليزيه. عندها تختلف المقاييس وتصبح القاعدة «الرجل هو الرئيس». والرئيس ليس مُلْكَ نفسه.

ما أن يعبر عتبة الاليزيه حتى يصبح مُلْكَ فرنسا والتاريخ. وصناعة التاريخ أمر شديد التعقيد وقاسي الفروض.