حدث في مسارحنا الصغيرة

TT

كانت عندنا مسارح صغيرة، وهي صغيرة إما لعدم وجود مسارح كبيرة، وإما لأن الموضوعات المسرحية جافة ولن يكون لها جمهور كبير.. أو لأنها مسارح تجريبية، أي يحاول الشبان الجدد من الممثلين والمخرجين والمؤلفين أن يعرضوا قدراتهم على جمهور متخصص، وقد كانت لي تجارب عديدة فقد ترجمت مسرحية «الشهاب» للأديب السويسري ديرنمات وكانت كل المسارح مشغولة، وارتضيت أن أعرضها في مسرح صغير، وكل المسارح الصغيرة يسمونها مسارح الجيب ـ تماما مثل كتب الجيب أي الكتب التي يمكن وضعها في جيبك لتقرأها في أي مكان جالسا وواقفا، أما المسارح الصغيرة فإنها تستطيع أن تضعنا في جيبها ولو كان عددنا مائة أو مائتين، ولكن أصبحت كلمة (الجيب) تعني أنها صغيرة كأنه من الممكن أن نضعها في جيوبنا وننقلها معنا إلى أي مكان.. تماما كما أن عندنا مسرح اسمه (البالون)، وهذا المسرح عبارة عن خيمة كبيرة، وقد اشتريناه من الممثل الإيطالي فيتوريو جسمان، وكان يتنقل به من مكان إلى مكان، يفكه هنا ويركبه هناك، ولكن منذ اشترينا هذا البالون وهو مستقر في مكانه لا فككناه ولا ربطناه، وهو مسرح للفنون الشعبية: رقص وغناء وألعاب أطفال، وهو مسرح كبير.

وفجأة ظهر عندنا مسرح اسمه (مسرح العلبة)، وعرضنا فيه أعمالا فنية أيضا متخصصة، وأطلقنا عليه أيضا اسم (مسرح الغرفة) ـ مثل (موسيقى الغرفة)، وهو صغير أيضا يتسع لمائة من المشاهدين، واندهشت وعرفت أن اسمه بالفرنسية (مسرح لزالت) وهو ترجمة لمسرح (الصفوة) أو العلية ـ أي عدد قليل من المؤلفين والنقاد، واكتشفت أن خطأ ما قد وقع، فالترجمة الدقيقة للتسمية الفرنسية هو (مسرح العلية) ـ أي علية القوم، ولكن لأنه صغير فجعلناه (مسرح العلبة) واستقر هذا الخطأ الذي اكتشفته، ولم يفكر أحد في تصحيحه والأخذ برأيي، ولكن رأينا عليه مسرحيات جريئة وتجريبية وعبثية .. ثم اختفت العلبة ومعها العلية أيضا!