هل تستحق «وديعة رابين» كل هذا؟!

TT

قبل أقل من أسبوعين قال الدكتور حسين الحاج حسن، أحد نواب «حزب الله» في البرلمان اللبناني، ان الحزب لن يسكت على الوضع الراهن في حال انتهت «المبادرة العربية» إلى طريق مسدود. وتابع الحاج حسن في حديثه لقناة «إل بي سي» اللبنانية (أرجو أن تكون القناة مازالت تحتفظ بالتسجيل) قائلاً ما معناه ان الحزب لا يخشى أحداً ... لا العرب ولا الأوروبيين ولا أميركا، خاصة أنه «قاتلهم في الصيف الماضي وانتصر عليهم!!!».

لقد وضع النائب ـ الدكتور في الفيزياء من فرنسا ـ العرب في «جبهة» واحدة مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وطبعاً إسرائيل، إبان حرب «الانتصار الإلهي» التي دمّرت ما دمّرت من لبنان ومرافقه الاقتصادية .. وهجّرت من هجّرت من أبنائه.

جاء في الحديث الشريف «اطلبوا الخير عند حِسان الوجوه»، وعليه، لا حاجة للتوقّف طويلاً عند كلام الدكتور، وبخاصة أنه لا يأتي من فراغ، ولا يشكل حالة متطرفة معزولة في خطاب «حزب الله».

فالحزب يهدّد اللبنانيين ـ كل يوم تقريباً ـ باجتياح البلاد لتثبيت أركان دولته منذ أعلن حربه على الحكومة اللبنانية، فسحب وزراءه منها، وقاد اعتصاماً أمام مقرّها يستمر منذ ما يقرب السنة ونصف السنة فوق الأملاك العامة وأملاك الغير.

وهو على ما يبدو الآن ... يواصل التصعيد والتهديدات والسعي الحثيث للقضاء على كل مؤسسات الدولة ... في نقلة نوعية غاية في الخطورة.

الكلام الشائع الذي يروّج ـ بسوء نية ـ داخل لبنان وخارجه، أن النزاع القائم في البلاد حالياً هو بين «مشروعين» أو «معسكرين»: الأول «سوري – إيراني» تمثله المعارضة، والثاني «أميركي – إسرائيلي» يزعم أن الحكومة الحالية جزء منه.

هذا الكلام غير صحيح كي لا نقول إنه مضلل (بكسر اللام) وهو كذلك فعلاً.

فلئن كان أحد المعسكرين يضم حقاً قوىً هي باعترافها جزء من استراتيجية طهران للمنطقة، تضع من منطلقات مذهبية مفهومة علاقتها بالقيادة الإيرانية فوق أي ولاء للسيادة الوطنية اللبنانية أو القومية العربية، وقوىً أخرى تشكل امتداداً تنظيمياً وأمنياً لأحزاب و«واجهات» ناشطة في سورية تعمل ضمن ما يُسمى «الجبهة الوطنية التقدمية»، ... فإن الصورة في المقلب الآخر غير ذلك تماماً.

ذلك أن بين الأحزاب والتنظيمات التي تلتقي تحت شعار «14 آذار» الفضفاض قوى يسارية ويمينية، وقومية وليبرالية، من هذه الطائفة أو تلك، ... القاسم المشترك بينها هو قيام دولة ... ممنوع قيامها.

هذه الأحزاب والتنظيمات والشخصيات، التي يُهدَر دم قادتها وحركيّيها ومفكريها بتحريض سافر، لم تتلق حتى الآن رغم مسلسل الاغتيالات والتفجيرات الدامية الذي استهدفها غير الدعم اللفظي والمعنوي. في حين أتاحت الترسانة العسكرية وموارد «المال الطاهر» لقوى المعارضة انتهاج سياسة سحب الاعتراف بالدولة اللبنانية، والتآمر الممنهج لتقويضها.

اليوم عندما يمتنع السيد عمرو موسى عن تسمية الجهة المعرقلة للتسوية في لبنان، فلأنه يعلم أنها أساساً لا تريد لبنان مستقلاً. وهي تضعه أمام خيارين إما «لبنان التابع» أو «اللا لبنان».

وعندما يقرّر «حزب الله» أن التحقيق العسكري والقضائي في ما حدث يوم «الأحد الأسود» (27/1/2007) يجب أن يسبق أي بحث في انتخاب رئيس للجمهورية، فإنه يتقدم خطوة أخرى نحو تحجيم أو إلغاء الجيش كمؤسسة وطنية جامعة فوق الحزبيات والهيمنة الطائفية. ولاسيما، أن هذه الخطوة تأتي خلال فترة قصيرة من «رسالة» اغتيال اللواء فرنسوا الحاج، ثم «الرسالة» الموجهة لقوى الأمن الداخلي باغتيال الرائد وسام عيد.

وعندما يصبح التحقيق العسكري والقضائي «المسلوق» أشبه بـ«قميص عثمان» مرفوعة ضد قائد الجيش يتضح أن الغاية كانت منذ بداية التحريض على الاحتجاجات نسف «المبادرة العربية» القائمة على أساس انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية.

إن ما حدث ويحدث وسيحدث ... على الساحة اللبنانية وسط تصاعد التهديدات بـ«التحرك» و«كسر الأيدي» ... وربما «قطع الرؤوس» أيضاً، يتجاهل تماماً عامليّ الشحن والتحريض. مع العلم أنه في أي نظام قضائي في العالم هناك مسؤولية جرمية على المحرض في أي جريمة تقع.

و«حزب الله»، على رأس توابعه من تنظيمات ومؤسسات إعلامية ونقابات، لا يستطيع غسل يديه من تهم التحريض وتأجيج الرأي العام والإرباك المتعمد لأفراد الجيش وقوات الأمن أثناء أدائهم وظيفتهم في حماية المواطنين والممتلكات، ... وهذا بصرف النظر عمن أطلق الرصاص يوم «الأحد الأسود» على الشهداء.

إزاء كل هذه المعطيات المقلقة، التي يزيدها العجز العربي والنفاق الدولي إقلاقاً وكآبة، نسمع ونرى أن دمشق سعيدة بكسبها من قلب مقر جامعة الدول العربية جولةً أخرى في حربها اللبنانية ... على أبواب القمة العربية المزمع عقدها في عاصمة بني أمية.

ونسمع ونرى عن النشاط الدبلوماسي لطهران يوجه رسائل مختلفة النبرات في العمق العربي، بينما ترفع امتداداتها الإقليمية الحرارة في لبنان والأراضي الفلسطينية والعراق أيضاً. ونسمع ونرى المشهد الإسرائيلي بعد تقرير «لجنة فينوغراد»، حيث يتسابق المجتمع الدولي لمنع انتخابات، ثمة إجماع على أنها ستأتي ببنيامين نتنياهو وزبانيته المتطرفين إلى الحكم.

الصورة العامة المستخلصة هي صورة «لا حرب» في المنطقة. و«كلمة السر» التي تتردد في أوساط «اللوبيات» الليبرالية المناوئة لجورج بوش والليكودية في واشنطن ... هي «الحوار» ... مع دمشق!

هل تستحق «وديعة رابين» يا ترى كل هذه المآسي؟