ركود

TT

علامات الركود الاقتصادي الكبير في كل مكان، حجم أزمة المصارف الأمريكية لا يزال يتفاقم نتاج توابع مشكلة الرهن العقاري، وهي مشكلة لا تزال في طور التفاعل، ولم يتم التعرف والتأكد من حجم وأبعاد المأساة بشكل كامل إلى الآن. فها هي البنوك الأمريكية تحاول «تلطيف» وقع المشكلة ببيانات وتصريحات «عنترية» على الرغم من النتائج السلبية المعلنة، فهناك قناعات كبيرة لدى قطاع غير بسيط من الخبراء الماليين بأن حجم الخسائر والضرر، هو أكبر بكثير مما تم البوح به للآن.

وقد سارعت الحكومة الأمريكية بالتحرك خلف الكواليس لـ«إنقاذ» أهم المصارف الأمريكية الكبرى مثل «مريل لنش» و«سيتي كورب»، وذلك بإقناع والقبول بدخول صناديق سيادية من دول مثل الصين وسنغافورة وأبوظبي والكويت بحصص استراتيجية ومهمة، وهي «صفقات» تمت بهدوء وبسرعة وبدون بنوك وسيطة، كما جرت العادة، وذلك في إشارة واضحة إلى أن الصفقة «سياسية» أكثر منها صفقة مالية واستثمارية. وكل هذا الاضطراب أحدث إرباكا كبيرا في قرارات البنك المركزي الأمريكي، فقد اضطرت إدارته لاتخاذ تنزيلات غير مسبوقة في معدلات الفائدة، وبشكل فوري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإبطاء كل النتائج السلبية الممكنة.

والركود الاقتصادي الكبير، الذي حل على الاقتصاد الأمريكي، نتاج سياسات مالية أمريكية غير مسبوقة، أدت إلى ديون مهولة وعجز مفزع، مسببة هلعا في العملة الأمريكية، ومخاوف جادة على مستقبل الاقتصاد الأمريكي، وهذا الركود يصيب الأسواق العالمية باعتبار أن السوق الأمريكي، هو أكبر وأهم الأسواق الاستهلاكية بلا منازع. وهذا الوضع سيؤثر على الأسواق النفطية بسبب وضع الدولار الهزيل، مما يعني أن تكلفة النفط ستستمر في الارتفاع، وبالتالي المساهمة في تدهور الركود الاقتصادي الحاصل.

نعم الوضع مرشح لأن يتفاقم خلال 2008 وهي سنة انتخابية يكثر فيها الحذر، ولكن أيضا يزداد فيها حجم الإنكار والإفصاح عن الحقائق الرقمية، وتوضيح أحجام المشكلة حتى لا يتأثر الحزب الحاكم في الانتخابات القادمة ويتعرض بالتالي للخسارة الكبيرة.

وحاليا تتجه البنوك والقنوات الاستثمارية صوب البقعتين الوحيدتين الناشطتين والإيجابيتين في عالم أسواق المال وهما الشرق الأوسط والشرق الأقصى، ولكن حتى هذين السوقين سيتأثران عاجلا أم آجلا بنتاج الركود الاقتصادي في أمريكا، فالعالم المعولم يتأثر سلبا وإيجابا بأدنى حراك، فالسوق باتت واحدة واخترقت الحدود وتجاوزت التشريعات. وهذا يعني أن «الفوضى الخلاقة» بقدر وجودها في عوالم السياسة، تزدهر في دروب الاقتصاد، والفورة الاقتصادية الحالية في الشرق الأوسط، لن تكون في مأمن لفترة طويلة من غمامة الركود الاقتصادي الأمريكي القادم.

[email protected]