إن تكررت الكارثة .. ما موقف القاهرة؟

TT

قرأت مقالات تروي كيف غيرت حماس التاريخ بـ«الهبة» الشعبية الأخيرة التي عبرت الحدود فأجبرت مصر على تعديل موقفها، وغيرت كل المعادلة السياسية في المنطقة. وأتفق معهم على أنها غيرت، لكن في الاتجاه المعاكس. حماس ربما كسبت السوريين والإيرانيين لكنها خسرت المصريين، وهم الأهم، لأنها عقدت حساباتهم الداخلية والخارجية، وعرضت مصر لخطر غير محسوب.

وحتى أوضح وجهة نظري هذه سأضعها في سياق المقارنة. فالفلسطينيون ممنوعون من إطلاق النار من لبنان، برقابة دولية وحراسة لبنانية وإجماع شعبي لبناني يساندها. الفلسطينيون ممنوعون كذلك من إطلاق رصاصة واحدة من سورية ضد إسرائيل. وهم ممنوعون أيضا من الشيء نفسه من الأردن. فإذا كانت هذه الدول الثلاث تمنع الفصائل الفلسطينية صراحة من توريطها في مواجهات مع إسرائيل فإن المتوقع من مصر أن تستشعر الخطر إياه. فغزة، في واقعها التاريخي المعاصر والجغرافي الملاصق محسوبة على مصر وأمنها. ويشتكي الإسرائيليون من أن مصر تلعب بالنار بدعمها المستتر لحماس، فإن كان ذلك صحيحا، لماذا؟ من المؤكد أن مصر لا توافق حماس على كثير من أفعالها، مع ذلك ترى أن الحركة جزء مهم في المعادلة الفلسطينية يجب عدم تجاهله، وتريد علاقة جيدة معها من أجل حل المشكل الفلسطيني المتعدد الأوجه. أما الإسرائيليون فيظنون أن القاهرة تدعم حماس، رغم ارتيابها في الإخوان المسلمين التي تنتمي لهم حماس، من أجل الضغط المستمر على إسرائيل والإمساك بخيوط اللعبة. وردا على القاهرة صدرت عن تل أبيب تحذيرات غير رسمية تروج لتوطين بعض الفلسطينيين في سيناء وجعلها أسوة بالمخيمات الفلسطينية في سورية والأردن ولبنان.

وليس صعبا أن نفهم رغبة إسرائيل في تصدير المشكلة إلى مصر، لأنها تريد جعل مصر طرفا في الأزمة لا في الحل فقط. أما الذي يصعب تبريره فهي تصرفات حماس الخطيرة. فحماس بصواريخها العبثية جعلت إسرائيل تحاصر غزة وتحولها إلى منطقة منكوبة، ودفعت الأهالي باتجاه الحدود المصرية أيضا لنفس الغاية. عمليا تآمرت حماس وإسرائيل لأسباب مختلفة تماما ضد مصر. وأظن أن الكارثة ستتكرر، ستقصف حماس، فتهجم إسرائيل، ويفر الفلسطينيون باتجاه مصر، ثم تكبر الأزمة. وكما حدث في لبنان والأردن ستضطر القاهرة للتدخل، وأتوقع أن تعيد السلطة الفلسطينية إلى غزة.

وعلى حماس أن تتذكر أنها كحركة إخوان مسلمين ما كان لمثلها أن تحكم في أي مكان آخر في العالم العربي لولا أن السلطة الفلسطينية قبلت بها من اجل توحيد الصف الفلسطيني. المضحك أن حماس شقت الصف وطردت فتح. حماس مرة ثانية صممت الأزمة الأخيرة حتى تفرض حساباتها على مصر والجميع، من دون أن تتنازل. فهي ترفض مطالب السلطة الفلسطينية في رام الله، وترفض إجراء انتخابات مبكرة، وتريد قصف إسرائيل، وفي نفس الوقت تبكي من الحصار وتطلب من المصريين دفع الثمن. الحل يفترض أن يبدأ أولاً من ترقيع المشكل الفلسطيني. على حماس أن تعود إلى السلطة الفلسطينية بالشروط التي حددها أبو مازن، الاعتراف بمقومات السلطة نفسها من اتفاقيات وصلاحيات. إن لم تقبل حماس ذلك عليها أن تعيد مفاتيح الحكم لفتح، وتعود إلى المعارضة. وفي كل الحالات ستجد مصر نفسها مضطرة، عند تكرار الكارثة، أن تفعل ما فعلته الأردن وسورية ولبنان قبلها حماية لحدودها وأمنها.

[email protected]