كتاب مهم

TT

الأفكار الذكية عادة ما تكون وليدة التفكير غير النمطي والذي غالبا ما يسير بالاتجاه المعاكس للتيار السائد، وفي ظل طغيان «الروايات» على ساحة الكتب بالسعودية، والتي يخرج منها ما هو جاد ومثير للاهتمام وآخر لا يعدو سوى صفصفة فارغة، تكون مفاجأة سارة حينما يخرج كتاب جاد للغاية يبحث موضوع في غاية الأهمية من الجانب النظري، لا يتوقع أن ينال اهتمام السعوديين! والكتاب المقصود هنا هو «صناعة التاريخ: السعودية وثورة الطاقة البديلة» للمؤلف عبد العزيز الحقباني، وطبعا أتى الاستغراب هنا في كيف لسعودي (وهو المنتمي للدولة الأولى المنتجة للنفط والدولة صاحبة المخزون النفطي الأكبر) أن يفكر في الطاقة البديلة. وللحقيقة الكتاب يقدم تصورا علميا جادا للبدائل المتاحة في مجال الطاقة البديلة، ويركز على الخيار البديهي وهو الطاقة الشمسية وغيرها من أمثلة لافتة، فيطرح الأفكار من خلال رؤية مستقبلية شاملة تتطرق للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية مثل سوق العمل والمياه والنقل والزراعة كل ذلك من خلال طرح مدعم بالبيانات والأرقام والاحصاءات، مع تقديرات مستقبلية بنيت على قاعدة منطقية من الفرضيات. ومنهج الاستشراف المستقبلي أو كما يعرف بالمستقبليات غير مطروق بشكل حقيقي في العالم العربي وهو ما يتميز به الغرب وعرف به آلفين توفلر صاحب كتاب «الصدمة المستقبلية» و«الموجة الثالثة» وغير ذلك من العناوين المهمة، وكذلك جون ناسبيت صاحب كتاب «التحولات الكبرى»، وعربيا لم تكن هناك سوى محاولات محدودة للكاتب راجي عنايت.

والحديث عن الطاقة البديلة في السعودية قد يصوره البعض كنوع من العبث والترف الفكري ولكن اذا ما تم التعامل مع النفط والغاز على أنه «استثمار محدود الأجل في قاع الأرض وقابل للنفاد» ستكون نظرة الحفاظ عليه ومضاعفة العوائد بتنويع الوسائل البديلة فكرة مستساغة وقابلة للتحقيق، ولكن طالما هناك قناعة أن النفط باق للأبد وأن وضعه الحالي مستمر لما لا نهاية فبالتالي ستكون هناك صدمات سلبية متوقعة وقوية تؤثر على قطاعات مختلفة. عودة مرة أخرى للكتاب وما تطرق إليه لتحدي الطاقة البديلة وضرورة التفكير في مرادفتها وهي المياه، وهو كابوس السعوديين الدائم وكيفية وضع أسس للانهار الاصطناعية (المالحة) وهو طرح جريء وشجاع ضد التيار التقليدي وحلوله لمشكلة المياه. الكتاب يقدم احصاءات لا يمكن اغفال أهميتها وخطورتها، ولعل أهمها هو أن 54 من أهم 65 دولة منتجة للنفط انتاجها في تناقص حاد، ومعدل الاكتشافات أقل من ثلث الاستهلاك والانتاج الحالي. ومنذ 13 عاما كانت الصين منتجا للنفط ومصدرا له والآن هي ثاني أكبر مستورد للنفط على مستوى العالم، وطاقتها الاستيرادية في ازدياد. كل هذه بمثابة أعلام حمراء وصفارات انذار يطلقها الكتاب ويبني عليها حجج مهمة لتغيير فكر التعامل مع الطاقة والترف الناتج بسببه وهو كتاب يستحق القراءة والتدبر.

[email protected]