هل هناك قاع للانحطاط ؟

TT

مرض السرطان هو أشبه بجنون داخل جسم الإنسان تختل فيه كرات الدم البيضاء وتتصور أعداء وهميين، وبدلاً من ممارسة وظيفتها في حماية الجسم، تهاجم جسم صاحبها لتقضي عليه في أحيان كثيرة.

وهذا ما يحدث بالضبط في أجزاء من المنطقة العربية ودول إسلامية، بسبب سرطان اسمه التطرف والإرهاب، واحتار كثيرون في الكيفية التي انتشر بها ومَن وراءه، لكن نتيجته نراها خرابا ودمارا وتخلفا، بينما بقية أمم العالم تتقدم وتزدهر، وأصبحت بعض الدول المصابة بهذا الداء يتعامل معها العالم مثل الجرَب يحاول إقامة أسوار حولها ومنع انتشار العدوى منها.

وإذا لم يكن هذا جنوناً، فبماذا نسمي هذا الانحطاط الأخلاقي الذي رأيناه في التفجيرين اللذين ضربا سوقين في بغداد أخيرا واستخدم فيهما المخططون سيدتين مريضتين عقليا وفجروهما بواسطة التحكم عن بُعد من دون أي اعتبار للحياة الإنسانية أو شفقة على السيدتين.

وقد حدثت أعمال وتفجيرات إرهابية بشعة من قبل، ليس في العراق وحده، لكن في دول عربية وإسلامية كثيرة ضمن ظاهرة السرطان هذه، لكن لا تجد الذاكرة ذهنا مريضا وصل إلى هذا المستوى من الانحطاط في استخدام سيدتين مريضتين عقليا لا تدركان ما تفعلانه في هذا العمل الإجرامي الذي حصد عشرات الأرواح.

وهذا يثبت أنه عندما يتخلى بعض الناس عن مبادئ الأخلاق العامة المتعارف عليها بين البشر، حتى في حالات الحروب والصراع، فلا حدود أو قاع لدرجة الهبوط في مستوى الانحطاط وإباحة أي شيء، فالفتاوى جاهزة لتحليل ما هو محرم، وأي شيء يمكن أن يدخل تحت شعار المقاومة حتى لو كان قتل أهل البلد وباستخدام مرضى عقليين.

ومنذ ظهور هذا الفكر التفجيري الانتحاري تحت مبررات وشعارات كثيرة، رأينا طريقاً طويلاً من الانحدار في أشكال التفجير والتفخيخ والقتل العشوائي، وسالت أنهار من الدماء، وأصبحت المسألة أشبه بالعدوى تنتقل من منطقة إلى أخرى، ويتفنن فيها أصحابها في تفجير جنازات ومطاعم وأطفال إلى جثث وبنايات، والضحايا في غالبية الأحيان مارة بالصدفة أوقعهم حظهم السيئ في ذلك المكان في توقيت معين.

وساعد على انتشار هذا السرطان طابور طويل من الذين يجدون تبريرات أو أعذاراً والمتلاعبون بالكلمات الذين لا يريدون أن يقولوا إن هناك خيطا فاصلا بين الأبيض والأسود، وان شعارات الكراهية واحتقار الحياة الإنسانية وتبرير الانحطاط تضر بصاحبها أكثر من عدوه.

والنتيجة واضحة ولا تحتاج إلى اجتهاد كبير، فلو نظرنا حولنا سنجد أن غالبية ضحايا هذه الأعمال الإرهابية عرب ومسلمون وأن بلادا عربية وإسلامية على وشك التفكك أو التحلل أو الدخول في حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس بسبب هذه الأفكار ومروّجيها ومبرريها.