استقالة مثقف

TT

لا أدري ما هي أسباب استقالة المهندس طالب الرفاعي من إدارة الثقافة في الكويت. ربما ليست هناك أسباب. ربما دفع إلى الاستقالة بأدب ولطف، وهو من الكياسة والأدب والذوق، ما يفيض. ومن الخلق أيضا. ومن الثقافة. ولكن إبعاد الوجوه الثقافية الراقية عن الدائرة الرسمية عمل يبعث المرارة في نفوس العرب الآخرين. قبل طالب الرفاعي رأينا محمد الرميحي يترك الأمانة العامة للمجلس الثقافي الوطني، من دون كلمة وداع. وها هي مصر تدفع وزير الثقافة فاروق حسني إلى أن يكون مديرا عاما للاونيسكو. بعدما أمضى سنوات طويلة في منصبه. ولا أدري مدى استحقاق رسام تشكيلي للمنصب الشديد التعقيد، الذي أبعد عنه رجل في معارف وموهبة غازي القصيبي، ولكنني أعرف أن مصر سوف تجند آلتها الإدارية والسياسية لكي تدعم ترشيح فاروق حسني. هكذا تعامل أبناءها. وقد قاتلت من قبل من أجل بطرس غالي في الأمانة العامة للأمم المتحدة. وهي مستعدة غدا لأن تقاتل من أجل أي مصري في «الفاو» أو في أي منظمة.

الثقافة عمل غير متقطع ومسألة غير إدارية. لها أهل ولها مواهب ولها كفاءات. وليس هناك مثقف بالتعيين ولا بالمظلة. هناك مظليون بالمظلات. والروائي طالب الرفاعي من الوجوه الثقافية السائرة على الطريق بكل اجتهاد ودأب. وليست له هموم ومشاغل أخرى، وقد جاء إلى المجلس الوطني من الشغف الثقافي وليس من الهندسة، وربما كانت العودة إلى الهندسة أكثر إفادة وجدوى بالنسبة إليه، لكنها بالتأكيد خسارة للحركة الثقافية في الكويت، أو للجانب الإداري منها. فقد كان طالب الرفاعي قادراً، بصفته الثقافية، على إقامة الجسور مع مثقفي العالم العربي. وكان بارعاً في السير فوق الحبال المقطعة في المناخ المتوتر بين أهل الثقافة وأهل البرلمان في الكويت.

وقبل فترة كانت الكويت قد أغلقت مكاتبها الإعلامية في الخارج، بداعي «ترشيد الإنفاق». ومديرو وعمال المكاتب الإعلامية كانوا جنودا مجهولين معلومين عملوا طويلا وجليلا في إقامة صورة الكويت في الخارج. وهذا النوع من العمل عقوق في طبعه، يأتي مع الأزمات ويذهب مع ذهابها. ولكن الصورة الإعلامية عمل دائم دائب وليس عمل طوارئ وأزمات، والكويت إحدى أغنى دول العالم ولن يؤثر في إنفاقها بضعة مكاتب إعلامية شكلت صلة الوصل بين الكويت وأصدقائها ومع الكويت وضد خصومها. ولا أدري كم وفرت الكويت من إغلاق المكاتب لكنني أعرف تماماً أنها لم تكسب شيئا. وأتذكر دائماً حكاية طارق المؤيد مع صدام حسين، عندما قال له إنكم تبذخون في الصرف على الإعلام. فأجاب: كل هذا الصرف الذي تراه لا يشكل ثمن دبابة واحدة.