روسيا التي حيرتنا

TT

روسيا هي التي زودت ايران باليوارنيوم المخصب، وساعدتها على بناء مفاعل بوشهر، وباعتها سلسلة من الاسلحة المتقدمة.

اليوم هي التي تقدمت دول العالم في مهاجمة سياسة طهران العسكرية بعد إطلاقها صاروخا في الفضاء، اعتبرته دليلا على ان ايران بالفعل تبني سلاحا نوويا، وفق ما قاله نائب وزير الخارجية الروسي. لماذا غيّر الكرملين موقفه؟ لا ندري لا بد انها المصالح.

في السابق، عندما كانت موسكو حمراء، لم يكن عسيرا معرفة موقفها دون الحاجة الى سماع بياناتها الرسمية او تقفي آثار مسؤوليها. اليوم صار الروس رأسماليين، يجرون وراء مصالحهم المباشرة، وحيثما هبت الريح يبحرون. والرياح هبت هذه الايام في البحر المتوسط حيث مخرت بوارجها لتجري مناورات عسكرية، في واحدة من الاستعراضات العسكرية النادرة للروس هنا. والذي زاد من اللغط ليست المناورات التي قامت بها، بل تلك المناورات التي تقوم بها. الانباء من موسكو تقول ان بوارجها البحرية لن ترسو في ميناء طرطوس، ولن تشارك البحرية السورية في المناورات الروسية، التي يقال انها ستستغرق سبعين يوما في البحر المتوسط.

وإذا كان موقف البيع والشراء الروسي مع ايران محيرا فان دخولها وخروجها من الميناء الفينيقي السوري يثير الكثير من الاقاويل دون ان نعثر على حقائق حوله كافية. فقد سبق حديثا للسفن العسكرية الروسية ان استخدمت طرطوس، ووزعت الخبر وسائل الانباء الموالية لدمشق للتأكيد على ان لسورية حلفاء كبارا، وليس كما يشاع انها بلد منبوذ. بل قيل ان في الفخ ما هو اكبر، وان اتفاقية وقعت لتحويل الميناء الى قاعدة عسكرية روسية أيضا. ودعم هذه التحليلات تصريح نسب لأحد الجنرالات الروس يؤكد فيه على العلاقة العسكرية مع السوريين. وعندما سألنا نفى الروس القصة بتفاصيلها. لكن بدت الرواية الروسية كاذبة لان سفنها رصدت بالفعل في ميناء طرطوس. مبرر الروس انها بالفعل تزور الميناء ضمن اتفاقية جديدة مع الحكومة السورية، وهي اتفاقية تبادل منافع اقتصادية، ولا يوجد فيها تعاون عسكري على الاطلاق. فسورية تدين بمبالغ كبيرة للروس وقد عرضت تسديد بعضها من خلال تقديم خدمات بحرية وتزويد السفن بالمؤن والوقود، ولا يتضمن الاتفاق تسليحا او تدريبا او حماية. أما عن التصريح الرسمي فقد قيل ان الجنرال الذي فتح فمه قد احيل للتقاعد. موسكو تصر على انها لا تنوي ان تتخذ جانب أحد في المعارك الاقليمية، فهي ليست مع او ضد سورية او ايران او غيرها.

ليس جديدا ان المصالح تقرر المواقف وليس العكس، بما فيها دول مثل روسيا والصين تحسبان علاقاتهما مع عواصم العالم بالدولار، ككل الدول الكبرى. ومع انه لا خلاف على حساب المصالح بالدولار الا ان المشكلة في تفسير المصالح بين آنية وبعيدة. نحن نرى انه ليس من صالح روسيا، او اي دولة مهتمة بالوضع في المنطقة تضخيم ايران عسكريا طالما انها تحت ادارة متطرفة تلوح بمقاتلة العالم. ان تسليح ايران سيرتد على الجميع، لا دول الخليج او منطقة الشرق الاوسط، وحدها. لقد دفع الاميركيون اثمانا باهظة بتأييدهم القوى المتطرفة في افغانستان، وروسيا ستكون اكثر من يعاني ان لم تشارك المجتمع الدولي في الضغط على النظام الايراني لإلزامه بالتخلي عن المشروع النووي، حتى لا تكون هناك حروب او توتر مستمر.

[email protected]