الزئبق الأحمر وحكاية أغرب من الخيال

TT

أما عن قصة ذلك الثري العربي الشاب الذي جاءني يطلب مني الزئبق الأحمر، فهي قصة أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة والتي يصعب تصديقها.

والذي حدث بالفعل أنني كنت أجلس بمكتبي بمنطقة آثار الهرم وكان الجو صيفاً عندما جاءتني مساعدتي بالمكتب تخبرني أن شاباً عربياً يشغل مركزاً مهماً ببلده يريد ترتيب لقاء معي وأن سكرتيره الخاص قد اتصل يطلب ترتيب هذا اللقاء، وعندما تحدثت مع السكرتير ذكر لي أن فلان يريد مقابلتي على وجه السرعة لأمر مهم جداً وعلى الفور دعوته للحضور بمقابلتي بمكتبي.

وبالفعل جاء الشاب ومعه حراسة ومساعدون، وكانت من أغرب المقابلات التي حدثت في حياتي، وبدأ الضيف وهو في العقد الثالث من عمره حديثه قائلاً: «أسمح لي أن أدخل مباشرة دون أي مقدمات؟! إن أمي مريضة منذ حوالي خمسة أعوام وطفت بها العالم كله ـ أمريكا، فرنسا، إنجلترا.... وعرضتها على كل أطباء الدنيا ولم أجد أي طبيب يستطيع تشخيص وعلاج مرضها وهي كل حياتي وجئت إلى مصر وعرفت أطباء وتعرضت للنصب من بعض النصابين». وأضاف أنه أنفق على علاجها حتى الآن ملايين الدولارات.. وأن أحد المشايخ المقيمين في بلدته أخبره أن علاج أمه عند واحد في مصر اسمه زاهي حواس! وهنا كنت في غاية الدهشة والعجب ولم أعرف ماذا أرد عليه، ولكنه لم يشر إلى طريقة العلاج الموجودة لدي، وعرفت بعد ذلك أن هذا الشيخ أخبره بوجود زجاجة صغيرة بمكتبي تحتوي على ما له القدرة على شفاء أمه المريضة. وقلت لهذا الشاب: من الواضح أنك تعرضت لعملية نصب كبيرة لأنه لا يوجد زجاجات بمكتبي، ولا يوجد لدي شيء، ورجوته أن ينسى هذا الموضوع وألا يجري وراء الوهم وإن الشفاء من عند الله.

وهنا لم نتطرق إلى أي موضوع عن الزئبق الأحمر إطلاقاً ولم يشر ليّ عن هذا الوهم. وحكيت القصة لبعض الأصدقاء وكنت قد طلبت منه أن يحضر لي هذا الشيخ لكي يقابلني وليدلني على مكان الزجاجة المخفية داخل مكتبي.. ولم يحضر الثري العربي لمدة تزيد عن تسعة شهور. وفجأة وجدته يتصل بي تليفونياً في المنزل في الساعة الخامسة مساءً ويطلب مقابلتي لأمر ضروري، وفعلاً بعد حوالي ساعة من المكالمة حضر لمقابلتي بمنزلي وقال بالحرف الواحد: «معي مليون دولار، لدي الآن مائة ألف دولار والباقي موجود لدى في خزينة حجرتي بالفندق ومستعد أن أقدم لك هذا المبلغ فوراً إذا أحضرت ليّ هذه الزجاجة التي يوجد بها الزئبق الأحمر لشفاء أمي؛ لأن هذه المادة هي الوحيدة كما قيل ليّ من الجميع التي يمكن أن تقضي على مرض أمي الذي استعصى على كل الأطباء...».

وهنا أخذت أشرح لهذا المسكين كيف أن النصابين استطاعوا اختراع هذه الأسطورة التي اسمها «الزئبق الأحمر» للنصب بها على الناس، وأنه ليس هناك أي أساس من الصحة لكل هذه الشائعات التي انتشرت حول قدرة الزئبق الأحمر على تسخير الجن وتحقيق أحلام الثراء وغيرها من الأشياء الغير معقولة. وكنت أحس بالأسى والحزن يعتصرني وأمامي هذا الشاب الذي تعلق بالوهم أملاً في شفاء أمه.. وكان من الواضح في ذلك الوقت أن كشفي لوادي المومياوات الذهبية في الواحات البحرية هو الذي ساعد على خلق هذا الوهم الكبير.. الزئبق الأحمر.

www.guardians.net/hawass