أيام نزع الحجاب

TT

ما من أيام تعتز بها البشرية كالأيام التي يخوض فيها الانسان معارك الحرية وينتصر. وفي تاريخنا المعاصر كان من اروع هذه الايام يوم سعت المرأة العراقية للحصول على حقوقها في اختيار نمط الحياة التي تريدها. شهد العراق اياما خالدة خضنها من اجل السفور ونزع العباءة والفوطة. في هذه الايام يجري التسابق في البلاد العربية من اجل الحجاب. ولكن التسابق في عراق الاربعينات والخمسينات كان منصبا على نزع الحجاب.

عرفت شيئا من ذلك حين قامت طالبات ومعلمات ثانوية الاعظمية بحملة لإقناع الفتيات بنزع الحجاب. وكلما استطعن اقناع إحداهن بذلك اجتمعن في مدخل المدرسة انتظارا لها. كانت احيانا تجبن الفتاة او تستسلم لضغط والديها فتخيب زميلاتها وتستمر كما كانت بعباءتها. فيسخرن منها ويعيرنها على جبنها. ولكن من تنجح في عملية التحدي والتحرر وتجتاز الباب سافرة، كانت تقابل بعاصفة من التصفيق والتشجيع. مبروك سميرة، واحسنت يا فاطمة، وهكذا. يقبلن اليها ويعانقنها ويغمرنها بالقبلات.

تروي الفنانة نزيهة الحارثي، فتصف كيف انهن في تلك الايام وبسبب الضغوط العائلية كن يخرجن من البيت متسترات بالعباءة والحجاب حتى اذا ابتعدن عنه لمسافة كافية، كن ينزعن العباءة والحجاب ويضعنها في شنطة صغيرة تحمل لهذا الغرض. يمشين سافرات في الطرق والمحلات العامة ثم يعدن ويخرجن العباءة من الشنطة ويلبسنها قبيل رجوعهن للبيت. وكان الشباب يعرفون الشنط وما فيها عندما يرون فتاة سافرة تحملها. كانوا احيانا يعاكسون البنت ويتحدونها بأن تفتح الشنطة وتكشف عما فيها. «شوفينا عباتك»!

كان الأمر سهلا للتلميذات الصبيات. ولكنه لم يكن بهذه السهولة بالنسبة للمعلمات. كيف يجوز للتلميذة الصغيرة ان تطالب معلمتها بنزع عباءتها؟ المفروص ان المعلمة هي التي تعلم الطالبات وليس الطالبات يعلمن المعلمة. حدث هذا المأزق بالنسبة لمعلمة اللغة العربية عاتكة وهبي الخزرجي، الشاعرة والاديبة المعروفة. كانت في عداد المحجبات، تحضر للمدرسة بالعباءة. واجهت الضغط الكبير من زميلاتها، ولاسيما انها كانت في غير ذلك معروفة كأديبة متحررة تتجاوب مع متطلبات العصر الحديث و تدعو لتحرر المرأة.

ظل الجميع يتساءلون، متى تنفض عاتكة العباءة عن رأسها وتخرج سافرة ولكن السؤال لم يدم طويلا. ففي يوم مشهود من تاريخ المدرسة، شاع الخبر في سائر الصفوف وغرف الادارة والمعلمات بأن الاستاذة عاتكة قررت اخيرا نزع العباءة والمجيء سافرة للمدرسة. تروي احدى طالباتها فتقول انه كان يوما مشهودا عندما تزاحمت الطالبات في باب المدرسة وساحاتها صباح ذلك اليوم انتظارا لوصول عاتكة وهبي الخزرجي سافرة بفستان عصري جميل يعرض قوامها الرشيق وقامتها الطويلة الفارعة.

فتح الفراش ابو حسين الباب الخارجي لها فمسكت الطالبات انفاسهن إذ لاحت امامهن معلمتهن الفاضلة، ليست سافرة فقط، بل ووضعت على رأسها بدلا من العباءة، قبعة عصرية جميلة. همست الطالبات بصوت واحد: «يا ويلي!».

وكانت ايام وفاتت، وهات يا عمي من يرجعها.