ماذا يحدث مع شرق أوسط نووي؟

TT

ماذا ينفع حركة «حماس» اذا كسبت غضب الشارع المصري وتسببت في خسارة «القضية الفلسطينية»؟

في بريطانيا تؤكد مصادر حكومية ومصادر المعارضة ان الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني هو السلاح المميت للقضية الفلسطينية.

ان اخطاء «حماس» تتكاثر، وتهديدات زعمائها للدول العربية تتطاير وترتد بشظاياها على سكان غزة. ويعتقد خالد مشعل انه صار بامكانه اصدار الاوامر بإلغاء الاتفاقيات الدولية، وتحطيم الحدود بين الدول.

لكن ما يكشف انه لن يبقى شيء يراهن عليه العالم للوصول الى السلام في الشرق الاوسط، ما جرى في معبر رفح، وما تلاه من عملية انتحارية هي الاولى منذ سنة في مدينة ديمونا، وقد هنأ احد الناطقين باسم «حماس» الأمتين العربية والإسلامية، بوقوع هذه العملية التي قالت اسرائيل ان منفذيها دخلوا اراضيها بعدما توجهوا من غزة الى سيناء، تماما كما فعل الانتحاري العام الماضي الذي فجّر نفسه في مدينة ايلات. ان هذا يجري في وقت بدأت اتصالات بين الكثير من الدول العربية وإسرائيل تخطط لتجاوز القضية الفلسطينية برمتها، وقد تشكلت مجموعة عربية فاعلة لها تأثير على مراكز اتخاذ القرار، تعتبر ان القضية الفلسطينية صارت جزءاً صغيراً من صورة اوسع تبرز فيها: احتمالات ايران النووية، اذ قبل امتلاك ايران الفعلي للسلاح النووي فانه صار لها تأثيرها المخيف في الشرق الاوسط، فإذا امتلكت ذلك السلاح، فان هذا لن يغير الشرق الاوسط فقط بل العالم كله الذي بدأ يلمس التغيير الجذري الذي يحدث في الشرق الاوسط.

ويبرز في الصورة الاوسع، حسب ما ترى هذه المجموعة العربية، التوتر ما بين الحكومات العربية وبين الرأي العام الراديكالي غير المسؤول وخصوصاً بينها وبين النخبة، وهذا ما يجعل منطقة الشرق الاوسط منطقة غير مستقرة في المدى المنظور وعرضة لهزات سياسية وانفجارات.

وفي لقاء مع احد المستشارين السياسيين الغربيين المطّلع على استراتيجية التفكير الحديث الملائم لتطورات الاوضاع في الشرق الاوسط بما فيه اسرائيل يقول: «ان اغلب الحكومات في المنطقة تدرك التداعيات الخطيرة لعدم المسؤولية، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في ان هذه الحكومات لا تستطيع القيام بما تراه ضرورياً لأهدافها». ويعطي محدثي مثلا حياً فيقول: «ان ما يجري في قطاع غزة الآن، يشكل خطراً على نظام الرئيس حسني مبارك».

ويواصل: «ان ما يجري في غزة هو ان المجموعة نفسها التي تهدد مصر والشرق الاوسط، اي ظاهرة الراديكالية الاسلامية بما فيها «الاخوان المسلمون»، مرتبطة مباشرة بإيران، وتعمل عبر ايران، ويمكن ان تصبح لاحقاً كما «حزب الله» في لبنان، وسيلة في يد ايران. وهذا خطر كبير على المنطقة، وعلى نظام مبارك بالتحديد».

وتعتقد مجموعة التوجه الجديد ان نظام مبارك يستطيع ان يوقف تدفق المقاتلين المدربين في ايران والعائدين الى غزة، لأن هؤلاء يشكلون خطراً اكبر من المتفجرات، وترى ان مصر تستطيع السيطرة وإيقاف تهريب الاسلحة، لكن السؤال هو: «هل ان مصر موجودة على طرف واحد من الحدود ام على جهتي الحدود، فإذا كانت على جهتي الحدود تستطيع وقف تهريب الاسلحة».

اذا كان لمصر نفوذ على «حماس»، لأن شريان الحياة لـ«حماس» بين يديها، تستطيع لاستعادة هيبتها ان تمنع الكثير من التهريب. هناك انفاق كثيرة ممتدة وتُعرف فعالية هذه الانفاق من اسعار الاسلحة في غزة، فعندما ترتفع اسعار السلاح تكون الانفاق غير مسهّلة، وعندما تهبط الاسعار تكون الانفاق شغالة.

ويتخوف السياسي الغربي كون المنطقة تعيش فوق طبقة رقيقة جداً من الارض المستقرة، وتحتها حالة مستعرة من الضغوط التي ستنفجر قريباً». وكان الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش وعد بالعمل على اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة قبل انتهاء ولاية رئاسته، وأقول لمحدثي، انه لا يمكن القفز فوق القضية الفلسطينية والتصويب نحو ايران. فيرد: «لا حل للقضية الفلسطينية. والسبب ان الفلسطينيين مجتمع يرفض تحمل مسؤولية اي شيء. وهنا تكمن المشكلة، ولهذا لا حل لها».

ويقول: «اذا اردت ان اخبرك بما سيكون عليه الوضع بعد ثلاثين سنة، اقول وبكل ثقة: ستكون هناك اسرائيل (من وجهة نظر اسرائيل) وعلى حدودها جار يؤمن بالعنف غير مسؤول بغض النظر عن كل شيء». ويؤكد ان بعض الاسرائيليين يطالبون بانسحاب اسرائيلي احادي من الاراضي الفلسطينية، وتقسيم القدس. ويضيف: «ان هؤلاء يحاولون اقناع الحكومة الاسرائيلية والشعب بالانسحاب، ليس لأن هذا يوفر حلا او يجلب السلام، اذ لن يكون هناك سلام، انما لأنهم لا يتحملون البقاء معلقين مع الفلسطينيين». ويؤكد محدثي السياسي الغربي، انه من خلال اتصالاته في عواصم كثيرة، ادرك ان اسرائيل لا بد ان تعود الى الانسحاب الاحادي وان هذا لن يعني حلا. فهي عندما انسحبت من غزة، لم يكن بقصد السلام، انما لتقوية المجتمع الاسرائيلي لأنه العنصر الاول الذي يسمح لإسرائيل بالعيش في مناخ عدائي وسيستمر عدائيا، ليس لأن الحكومات العربية تريده عدائياً بل لأن هذه الحكومات غير قادرة على التعامل مع الرأي العام لديها».

ويعود الى التاريخ ويقول: «ان حرب عام 1948 لم تكن حرباً عربية ـ اسرائيلية بل كانت حرباً بين اسرائيل والأردن من جهة، والفلسطينيين ومصر من جهة اخرى. كانت تلك الحرب جزءاً من تفاهم استراتيجي بين دايفيد بن غوريون والعاهل الاردني الملك عبد الله، اراد الاثنان اقتسام غرب فلسطين. هذا كل ما كان، وهناك اثباتات تؤكد ذلك، لكن الملك عبد الله لم يستطع اقناع الشعب الاردني ـ لم يكن هناك الكثير من الفلسطينيين آنذاك في الاردن ـ التوقيع على اتفاقية سلام مع اسرائيل بعد حرب 1948، رغم انه ناقشها مع بن غوريون. وأكد توفيق ابو الهدى رئيس الحكومة يومها للملك ان النخبة غير قادرة على تحمل ردة فعل الراديكاليين العرب». وحسب محدثي، «فان المشكلة الفلسطينية من دون حل، ستكون وضعاً دائماً».

لكن، ماذا عن ايران؟ يرى السياسي الغربي، انه اذا لم تتخذ الولايات المتحدة قراراً عسكرياً بحق ايران، فقد تضطر اسرائيل الى ذلك «لأن السلاح النووي في ايران سيكون مصيبة على العالم كافة. اذ لأول مرة منذ ستين عاماً يفكر احدهم جدياً بتغيير العالم ويعتقد ان هذا ممكن، ويريد ان يحقق التغيير بالسلاح النووي. هكذا يفكر النظام الايراني». وترى المجموعة المتابعة ان المشكلة في ايران تكمن فقط في النظام الذي لو حصل على الاسلحة النووية، او كان هناك اعتقاد بأنه يملك سلاحاً نووياً فالنتيجة الفورية لذلك ستكون بأن تصبح السعودية ومصر وتركيا دولاً نووية، وتبدأ ليبيا وسوريا بوضع برنامج نووي، ويصبح الشرق الاوسط نووياً، وقبل ان يتحقق ذلك سيعتقد الراديكاليون بأن ايران ستوفر لهم مظلة نووية، وعندها يبدأون باستفزاز اسرائيل والدول العربية المعتدلة والولايات المتحدة عبر الاسلحة التقليدية، وسيتعرض الشرق الاوسط لحرب جامحة بسبب الاعتقاد بامتلاك ايران للسلاح النووي وبأنها توفر للراديكاليين مظلة نووية.

ويضيف: اذا نظرنا الى التأثير العالمي لهذه المسألة، فإذا حصلت الدول العربية على السلاح النووي فان دولاً اخرى مثل الارجنتين والبرازيل وفنزويلا ستسعى الى ذلك، وهذا ليس بالأمر السهل».

لكن تزويد روسيا ايران باليورانيوم ليس بالأمر الخطير تقنياً، بل انه دليل على السياسة الروسية ان خطورة روسيا انها تمنع مجلس الامن من اعطاء الشرعية الدولية لعقوبات صارمة على ايران، لأن البديل الوحيد للتدخل العسكري هو الحصار».

واسأله عما سيكون رد فعل العالمين العربي والإسلامي بعد ضرب ايران ويجيب: «السؤال هو ماذا ستفعل اميركا وإسرائيل معها بعد الرد الايراني على الضربة، المهم الا تتراجعا».

وإذا اطلق «حزب الله» صواريخه على اسرائيل؟ يقول: «التأثير على اسرائيل سيكون صفراً لأن هذه الخطة صارت معروفة، وإذا حدث ذلك سيتم ضرب سوريا، حتى لو ان «حزب الله» تصرف من دون علمها، فهذا لا يهم».

واسأله: «يتردد ان اسرائيل لا يزعجها النظام السوري يقول: «لأنه افضل نظام مجاور لها، فهي لا تريد عراقاً على حدودها، او «اخوان مسلمين»، انه نظام يخاف اسرائيل وهذا يناسب الجميع، لن تكون هناك مفاوضات معه حول الجولان، سيبقى النظام كما هو. وهذا ما تريده اميركا، ولا ترفضه اسرائيل، وتستغله ايران».