حماس أولا وأخيرا

TT

حماس حولت «حالة» غزة السياسية إلى وضع يفوق أهمية فلسطين نفسها، واليوم تمارس حماس وضعا فعليا جعلها أهم من غزة نفسها! كيف من الممكن تفسير التخبط السياسي الذي تمارسه حماس على حساب القضية الأهم.. على حساب فلسطين نفسها؟ كيف لا يمكن قراءة ما يحدث في غزة مؤخرا إلا أنه دليل واضح وصريح على تأصيل فكرة عزل ومن ثم «استقلال» غزة؟ واليوم مع نية حماس المعلنة عن رغبتها في فك الارتباط الاقتصادي عن سائر الأراضي المحتلة والاعتماد على الجانب المصري، فان ذلك هو عزل جديد للقطاع وتكريس مفهوم «الدولة» لمنطقة هي جزء من كيان أكبر.

هل بات احتفاظ حماس بكرسي الحكم في غزة أهم من القضية الأكبر؟ سؤال صعب والإجابة عنه مليئة بالألم الواضح. لا يمكن إنكار الممارسات التي يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي على شعب بأكمله ومظلة الاتهام الجاهزة والمسلطة على رأس كل ساكني القطاع بحيث تحل دماؤهم وتستباح حياتهم بشكل إجرامي وغير أخلاقي، ويدعم هذا التصرف جماعة المحافظين الجدد بالإدارة الأمريكية، وهي التي لا تزال تمارس المعيار الأخلاقي المزدوج في كل مسائل الصراع العربي الإسرائيلي، فهي تعتبر الممارسات الفجة بحق ساكني إقليم دارفور السوداني بأنها مذابح جماعية تقوم بها عصابات مسلحة تدعمها أطراف حكومية، بينما تغض النظر وتتجاهل تماما الدبابات الإسرائيلية والطائرات المدمرة والجيوش المدججة التي تغتال بدم بارد كل من هب ودب في قطاع غزة، لا ترحم في ذلك شيوخا ولا نساء ولا أطفالا في مخالفات صارخة لكل الأنظمة والقوانين والأعراف والأحكام الدينية والمدنية.

ولكن هل من المنطق أن تمد حماس الدعم بمواقفها العتيدة لإسرائيل والذريعة للمزيد من الممارسات الدنيئة؟ وهل من المنطق «بغزوتها» لرفح أن تساهم في زعزعة الأمن المصري وسريان الإحساس بالخوف والقلق من حركات مخربة تكون قد تسللت لإحداث تخريب في الأراضي المصرية، فتخسر بالتالي أطياف الشارع المصري وهو الحليف المهم والتقليدي القديم لها وللقضية الفلسطينية؟ وكأن دروس أيلول الأسود وأحداثه التي كانت بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين الحكومة الأردنية لم يتم الاستفادة منها ولم يتعظ أحد لتعود الأيام من جديد لتظهر رعونة حماس في التصرف بحكمة من مصر وحكومتها.

الوضع الإنساني المأساوي في غزة يفوق الاعتبار، والصمت العربي أمر يدعو للخجل، ولكن هناك حالة من انعدام الثقة بين حماس والكثيرين بالمنطقة بحيث لم يعد لهم صاحب كما يقول المثل الدارج. ولكن هذا يجب ألا يمنع الحراك والدعم المادي لأهالي غزة، لأن الجريمة الإسرائيلية لا تزال تتواصل بدون هدوء ولا توقف.

حماس يبدو أنها رفعت شعارا فعليا وهو «حماس أولا وأخيرا»، وهو شعار رفعته الكثير من الأنظمة العربية البائسة من قبلها ورحلت ورحل رموزها.

الفتن لا تصنع معجزات مهما زينت وقدمت بشكل نموذجي وجمالي وعلى المنكرين أن يتعظوا.

[email protected]