الانتخابات الأميركية: موسم المفاجآت

TT

عندما بدأت حملة انتخابات الرئاسة الاميركية العام الماضي كان رد فعلي المبكر تجاهها شعورا بعدم الاهتمام غير المسبوق.

وأقول غير المسبوق لأنني ظللت على مدى سنوات طويلة ابدي اهتماما كبيرا بانتخابات الرئاسة الاميركية التي تجري كل أربع سنوات منذ ان كنت مراهقا عندما تابعت المواجهة بين كينيدي ونيكسون باهتمام بالغ. وفي وقت لاحق قمت بتغطية عدة انتخابات رئاسة اميركية لمختلف الصحف بما في ذلك صحيفة «الشرق الأوسط».

إلا انني هذه المرة لم أجد في الساحة ما يثير الخيال والاهتمام. فقد قابلت السناتور جون ماكين، مرشح الحزب الجمهوري الحالي، خلال منتدى دافوس بسويسرا ووجدته سياسيا صريحا ومباشرا وصاحب معرفة جيدة بالقضايا الدولية.

التقيت أيضا عضو مجلس الشيوخ هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي في السباق الحالي، بمكتبها في واشنطن، ودار بيننا حديث مثير للاهتمام ووجدتها مطلعة وصاحبة رؤية واضحة.

التقيت أيضا ميت رومني في حفل غداء بنيويورك، وبدا لي في ذلك الوقت أفضل من يمكن ترشيحه، ذلك انه تحدث حول دمل جراح اميركا داخليا واستخدام مهاراته كرجل أعمال ناجح في معالجة الأزمة الاقتصادية التي تبدو في الأفق.

لم التق باراك اوباما.

استمعت إليه لأول مرة عام 2006 خلال حضوري مؤتمرا بجامعة أوكسفورد. أحد المشاركين كان أستاذا جامعيا من إيلينوي، ولاية اوباما، قال ان ولايته جاءت بـ«منقذ شاب لأميركا».

أثار الاسم اهتمامي، إذ اعتقدت ان اوباما، وهو شاب اسود لا ينتمي إلى الطبقة العليا، لا بد ان يكون شخصا غير عادي ما دام قد اجتذب اهتمام أستاذ جامعي ابيض صاحب صيت أكاديمي بارز.

كما أشرت مسبقا لم يثر أي من المرشحين الرئيسيين خيالي، اما المرشحون الآخرون فانهم اقل إثارة للاهتمام. التقيت رودي جولياني عدة مرات خلال عقد التسعينات ولم اعتقد مطلقا انه سينافس في سباق رئاسي. كما انني لا أحب جون ادواردز لأنني اشعر بالشك تجاه محامي التعويضات.

فكرت مجددا خلال الأسابيع القليلة الماضية بشأن السباق الرئاسي الاميركي. مهما يكن من أمر، فإن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في الشؤون الدولية له أهمية لا يمكن معها ان يتجاهل الشخص التنافس على قيادتها.

فالولايات المتحدة لها وجود في 66 دولة من جملة 192 من الدول المكوّنة للأمم المتحدة. كما ان الولايات المتحدة هي الضامن لاستقرار عشرات الدول، وهي أيضا المصدر الرئيسي لتمويل كل المنظمات الدولية تقريبا. وعلى الرغم من ان نصيبها في التجارة الدولية تراجع نسبيا، فإنها لا تزال أكبر ماكينة للاقتصاد الكوني، ومصدر ما يزيد على نسبة 80 بالمائة من الابتكارات التي شكلت عالم ما بعد الحقبة الصناعية.

رئاسة الولايات المتحدة لها أهمية كبيرة إلى حد انني اعتقد انه يجب ان تكون للناس في كل الدول كلمة في من يتولى الرئاسة هناك.

ما أزال عند موقفي في انه لا يوجد مرشح بارز ومتفوق. وإذا كان لدي حق التصويت لأدليت بصوتي لأي واحد من المرشحين، وسأدلي بصوتي فقط لأنني اعتقد انه يجب على الشخص ان يدلي بصوته عندما يتوفر لديه هذا الحق.

مع ذلك، السباق بكامله مثير للاهتمام. فهو يعكس على نحو دراماتيكي التنوع المثير للدهشة في الولايات المتحدة.

إذ لأول مرة يصل سياسي أسود المراحل النهائية للسباق الرئاسي. وإلى جانب اوباما هناك هيلاري كلينتون، أول امرأة مرشحة للرئاسة تتوفر لها فرصة جدية للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لها لخوض انتخابات الرئاسة، وربما الرئاسة نفسها.

والسناتور ماكين هو السياسي الاقدم بين المرشحين في سباق الرئاسة الأميركية في هذه المرحلة الأخيرة.

ورومني من المورمونيين وبالتالي فانه أول واحد من أتباع مذهب نشأ في اميركا يكافح في سبيل الرئاسة.

وجولياني اميركي ايطالي، ومايك هوكابي هو أول قس مسيحي يظهر كمنافس في الرئاسة الأميركية.

وبغض النظر عن اضاءة التنوع فان الحملة الحالية للانتخابات التمهيدية تلفت الأنظار في اطار سمة أميركية أخرى هي التسامح.

وعندما برز اوباما اول مرة في العناوين كان هناك أولئك الذين يعتقدون بانه سيكون خارج المسرح لأن اسمه الأول واسم الأب عربيان، وهما باراك وحسين، واسم عائلة سواحيلي. وبدأ الخائفون المحترفون من الاسلام العزف على حقيقة أن والد أوباما وزوج أمه كان مسلما وانه هو نفسه كان قد التحق بمدرسة خلال طفولته في اندونيسيا. بل ان البعض بدأوا ينادونه «أسامة» لربطه بزعيم «القاعدة» المختفي.

كما استخدم لون أوباما الأسود كسلاح ضده. وقال البعض انه ليس أسود بما فيه الكفاية لأن أمه سيدة بيضاء من كانساس ووالده الكيني لم يتحدر من عائلة عبيد افارقة (بل ان احد الصحافيين اشار الى أن قبيلة اوباما، وهي جزء من قبيلة ليو في كينيا، ربما كانوا تجار عبيد !)

وما يلفت الأنظار أن أيا من هذه القصص لم تجد الاستجابة المنشودة كما يقول الصحافيون. فقد أثبت معظم الأميركيين انهم من النضج بما فيه الكفاية للحكم على شخص من خلال أفعاله وليس من خلال اصوله ومعتقدات أسلافه.

وفي عالم شهد اعادة ظهور أسوأ انواع النزعة القبلية، بما في ذلك في البلقان وسط أوروبا، فان حقيقة أن معظم الأميركيين رفضوا الرهان العرقي بشأن أوباما شيء مثير للاعجاب.

والشيء ذاته صحيح بالنسبة لمحاولات تحويل انتماء رومني للمذهب المورموني الى قضية. وقد يكون هذا مهما بالنسبة لجماعات صغيرة وهامشية من المسيحيين الانجيليين. غير أنه ليس هناك دليل على ان معظم الأميركيين حكموا على رومني من خلال خلفيته الدينية.

ومن المثير للدهشة ايضا حقيقة انه على الرغم من جهود بعض الدوائر المناهضة لهيلاري لم يتحول الجنس الى قضية رئيسية.

كما أن تجربة هوكابي مثيرة للانتباه على الأقل لان موقعه كقس لم يمنع كثيرين من غير المؤمنين من دعمه بسبب وجهات نظره حول القضايا السياسية. ومن السمات المهمة الأخرى في موسم الانتخابات التمهيدية هذا تقليل قيمة اسطورة أن المال هو الأساس في الانتخابات الأميركية الرئيسية. ففي هذا الوقت لا يحصل من ينفقون أكثر على اصوات أكثر دائما.

اما الأسطورة الأخرى التوأم للمال ـ التي تفيد بأن التقارير التلفزيونية هي التي تقرر الانتخابات الرئيسية ـ تقلصت ايضا بفضل المدونين والمتطوعين الأساسيين.

وأخيرا فان الجدالات التي تثيرها هذه الحملة تحولت الى أن تكون أكثر اهمية مما شهده عاما 2000 و2004 عندما كان اداء الديمقراطيين الميداني ضعيفا وأربك المرشحين.

وبحلول الوقت الذي تنشر فيه هذه المقالة ربما نكون قد عرفنا من هم المرشحون النهائيون. وما نعرفه الآن هو أن الازدواجية تفعل فعلها، في اميركا على الأقل.