إذا انتخب ماكين رئيسا.. فبفضل بوش

TT

ليس ثمة شك في ان التحول الذي حدث في العراق كان بمثابة أبرز التطورات السياسية للعام الماضي. إعلان الرئيس جورج بوش في يناير (كانون الثاني) 2007 عن استراتيجية زيادة القوات الاميركية في العراق لم تكن محل ارتياح لأي طرف. لم يكن القرار محل ارتياح لدى الديمقراطيين الذين أيدوا خفض الولايات المتحدة لوجودها العسكري في العراق بأية ثمن، كما انه لم يكن محل ارتياح لدى الجمهوريين الذين ساورهم الشك في ان تغيير الاستراتيجية، طبقا لإعلان بوش، جاء متأخرا ولم يكن كافيا.

فقد وصف أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ استراتيجية بوش المتمثلة في زيادة القوات العسكرية الاميركية في العراق بأنها «لن تحقق نجاحا لوحدها» وأنها «ليست حلا» وأنها «خطأ». يضاف إلى ذلك ان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ألغت رحلة لها إلى منطقة الشرق الأوسط في ذلك الوقت وآثرت البقاء في واشنطن بهدف جمع الصف الجمهوري بعد أن بات رفض أعضائهم في الكونغرس لمقترحات تمويل الحرب يهدد بنهاية رئاسة بوش.

بنهاية صيف العام الماضي كان جون ماكين في مأزق جدي بسبب موقفه من الحرب في العراق، وتراجع إعجاب وتأييد المعتدلين والمستقلين كمؤيد وحيد لما يصفه كثيرون بأنه «تصعيد». يضاف إلى ذلك ان المراقبين السياسيين كانوا يرون ان المشاكل المالية لماكين واستقالات طاقمه كانت بمثابة مسمار آخر في نعش حملته الانتخابية.

إلا ان كل الأوضاع انقلبت تماما وجاءت في صالح ماكين، الذي ارتبط اسمه بحرب العراق واستراتيجية زيادة القوات. يمكن القول هنا ان عودة النشاط والفاعلية لحملة ماكين في السباق الجمهوري جاءت لسبب واحد وهو عودة الفاعلية والنجاح للوجود الاميركي في العراق. إذ تراجعت أعمال العنف بنسبة 60 بالمائة وتراجعت أيضا الهجمات الطائفية في بغداد بنسبة 90 بالمائة، فضلا عن ان قادة العشائر السنيّة قادوا حملة واسعة النطاق ضد عمليات «القاعدة»، التي أرسلت الأسبوع الماضي امرأة معاقة لتفجير سوق في بغداد.

ماكين يبدو الشخص الأنسب للتعامل مع مثل هذا النوع من الأعمال الشريرة، لأنها في نظره تعتبر شريرة.

هذه لحظة مفارقات سياسية. فالقضية التي كان من المفترض ان تفرض نفسها على الحملة الانتخابية وتقضي تماما على الجمهوريين ساعدت في نهاية الأمر على صعود مرشح جمهوري قوي. وعلى الرغم من المرارات السابقة بين بوش وماكين، فإن قرار بوش بزيادة القوات الاميركية في العراق ساعد على صعود ماكين. وإذا حدث ان انتخب ماكين رئيسا للولايات المتحدة، فإن الفضل في ذلك يعود إلى بوش.

على الرغم من الأحاديث حول سطوة وتأثير المال والتنظيم في مجال السياسة، فإن صعود ماكين يوضح ان القضايا والشخصية السياسية من الجوانب المهمة. فقد ظل ماكين يردد مرارا، عاما بعد عام، ان الولايات المتحدة في حاجة إلى استراتيجية أكثر تطورا وصرامة في مواجهة التمرد في العراق.

هناك مميزات أخرى لماكين كمرشح. فشعار «لا استسلام» خلال حملته الانتخابية في السباق الأخير يناسب تماما سيرته كأسير حرب لا يعرف الخوف وكجريح في الحرب وعضو عنيد في الكونغرس وإصلاحي لا يهدأ له بال. لا يمكن ان يفترض جون ماكين ان الاميركيين يعرفون أيا من هذه الجوانب، ويبقى ان واحدة من مهامه الرئيسية ان يبلغهم بذلك.

ستتحول طروحات ماكين الايدولوجية في الانتخابات العامة المقبلة إلى نقاط قوة. وبسبب آرائه حول الهجرة، سيكون ماكين المرشح الجمهوري الوحيد الذي يمكن ان يحظى باهتمام الناخبين الهسبانيين، كما ان موقفه إزاء الاحتباس الحراري وإصلاح قوانين التبرع للحملات الانتخابية ستسهل مهمة زيادة تأييده وسط المستقلين. ويبقى القول ان رؤية ماكين وحكمته فيما يتعلق بالعراق قد ساعدت على صعوده في سباق الجمهوريين، لكنه في نهاية الأمر في حاجة إلى التفاهم مع الديمقراطيين حول قضايا مثل الرعاية الصحية والتعليم والفقر. إذ ان مجرد الموقف الصحيح من الحرب لا يعتبر بالضرورة كافيا.

*خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»