إنجلينا جولي في بغداد

TT

خاطرت الممثلة الجذابة انجلينيا جولي بحياتها، متخلية عن الحفلات الباذخة، وسافرت الى العاصمة العراقية، من اجل حث النازحين العراقيين على العودة الى بلادهم ومدنهم. يفترض ان تدخل اطلالة انجلينا الطمأنينة الى قلوب العراقيين، وتمنحهم الثقة في استقرار بلادهم. الا ان هذه فرضية تواجه بعض المصاعب، اولا لان معظم العراقيين لا يعرفون من هي انجلينا الحسناء، سواء كممثلة او كسفيرة للنوايا الحسنة للامم المتحدة. وثانيا ليس من السهل اقناع النازحين العراقيين بالعودة من الاردن وسورية وغيرها من اصقاع الارض، فقط لان ممثلة شقراء زارت احد المخيمات على الحدود. والسؤال اذا كانت ممثلة ناعمة تكبدت هذا العناء وجاءت من آخر الدنيا لمساعدة المنكوبين فأين هي الحكومة العراقية التي لم يسجل لها جهد يذكر من اجل اعادة العراقيين الذين فروا من مناطقهم؟ ومع ان الحسناء انجيلا لن تقدر على ارجاع النازحين فان اثارة قضية المليوني نازح تظل عملا نبيلا لان العراق لن يستقيم امره وهذا الكم الهائل من ابنائه يعيشون في الخارج. ومن المؤكد انه سيأتي يوم سيحاول فيه هؤلاء العودة ولو بالقوة، مما يعني المزيد من التوتر لسنوات طويلة مقبلة. دفع العراقيين باتجاه بلادهم واجب على الجميع ان يشتركوا في تنفيذه ولذا فالأمر يستحق ان نراجعه لا كعمل انساني وشعبي بل يفترض ان يكون برنامج عمل تصر عليه الجامعة العربية والدول العربية الرئيسية والولايات المتحدة بالاتفاق مع العراق.

اعادة مليوني مهجر الى العراق يفترض ان يحدث خلال هذا العام لا بعد اعوام. فبقاء هذا العدد الكبير من العراقيين في الخارج يعني تكرار المأساة الفلسطينية بتفاصيلها الانسانية الكارثية والاستخدام السياسي الاقليمي السلبي وجعل العراق بلدا متوترا. اضافة الى ان الدول المضيفة ستجد انها عاجزة عن خدمة هذه الملايين من الناس الذين يعيشون اليوم على فتات خدماتها. وقد سبق ان شرح لي احد العاملين في مفوضية الامم المتحدة للاجئين خطورة ترك الوقت يمر والعراقيون سائبون في شوارع عمان ودمشق وغيرها. قال انهم قنبلة موقوتة، وأشار الى ان السوريين والأردنيين يتحملون اعباء غير منظورة، لان مليوني نازح يستهلكون الخبز والوقود والكهرباء وغيرها من السلع والخدمات التي تقوم الحكومتان بدعمها ماليا. وضع الاردن وسورية الاقتصادي لا يسمح بتمويل حاجات النازحين فترة طويلة، كما ان الامم المتحدة ايضا لا تملك الموارد لدفع الثمن، ولا توجد جهة واحدة عربية مستعدة لإطعام مليوني انسان لسنوات مقبلة. أي اننا امام وضع في بداية مأساة النازحين العراقيين، مما يعيدنا الى السؤال، اين هي الجهود الحكومية العراقية؟

وهناك احاديث متشككة تجمع بين مشروع فيدرالية وانه بالصيغة المطروحة يقسم البلاد بين اغنياء وفقراء، وأقوياء وضعفاء، ونازحين يشكل السنة العرب الغالبية الساحقة منهم. ويقولون لماذا لم نسمع عن مشروع حكومي او برنامج عمل، لماذا؟ ربما لان اولوية الحكومة هي تثبيت الامن الداخلي، لا اعادة النازحين. لكن اعادة الناس الى مناطقهم وبيوتهم جزء من تثبيت الامن، فأحد اسباب التوتر هم النازحون. لا يمكن معالجة الاختلال الامني وفي نفس الوقت ترك هذا العدد الهائل من الناس خارج بيوتهم ومدنهم، سواء النازحين داخل العراق او خارجه.

اعادة النازحين ضرورة امنية من اجل انهاء التمرد والفوضى، وضرورة سياسية من اجل تحقيق مصالحة دائمة.

[email protected]