كيف الصحة؟!

TT

قبل سنوات بعيدة كتبت مقالا بعنوان «كيف الصحة؟»، وكان الدكتور غازي القصيبي وقتها وزيرا للصحة في السعودية، فوصلني خطاب منه يقول: «أتمنى أن يأتي اليوم الذي يلتقي فيه الناس ببعضهم من دون أن يطرحوا على بعضهم سؤال: كيف الصحة؟

سنوات طويلة مرت على ذلك المقال، لم تتحقق خلالها أمنية الدكتور القصيبي، ولم يختف السؤال، بل تضخم ككرة الثلج ليغدو في أحاديث الناس اليومية بديلا لـ«كيف الحال؟»

ولست أدري إن كان هذا الأمر وقفا على المجتمع السعودي، أم أنه سؤال عام يطرح هنا وهناك.. فإن كان من «خصوصياتنا» فالأمر له ما يبرره، إذ لا شيء يقلق الناس هنا أكثر من الصحة في ظل مستشفيات حكومية تشهد تكدسا يفوق طاقاتها، ومستشفيات أهلية تفوق كلفة علاجها طاقات الكثير من الناس..

في عدد السبت 12 يناير كتبت مقالا بعنوان «من الأولى بتسديد الفاتورة.. الصحة أم المواطن» علقت فيه على قصة مواطن فقير اضطر إلى ترك ابنه في المستشفى الأهلي لعجزه عن سداد 307 آلاف ريال، هي تكاليف بقائه في حضانة المستشفى لبضعة أسابيع.. وتم إنهاء الأمر بقيام فاعل خير بدفع الفاتورة، وتسليم الطفل لوالديه.. ويتكرر المشهد من جديد، فقد نشرت إحدى الصحف السعودية الخميس الماضي خبرا بعنوان «مقيم إثيوبي يعرض أحد توأميه للتبني من أجل سداد فاتورة الولادة»، وملخص الخبر أن الحاجة دفعت ذلك المقيم إلى التفكير في إيجاد من يتبنى أحد طفليه، حتى يتمكن من الحصول على طفله الثاني من المستشفى الأهلي الذي يطالبه بفاتورة بلغت حتى يوم الأربعاء الماضي 100 ألف ريال، تكاليف ولادة قيصرية، وحضانة للطفلين الذين ولدا قبل الأوان!

مثل هذه الأخبار بالغة الإساءة لنظامنا الصحي في ظل غياب التأمين الإلزامي على المقيمين النظاميين، وفي ظل عجز المستشفيات الحكومية عن تقديم الرعاية الصحية لهم، وهي المتعثرة في تقديم خدماتها للمواطنين.. لقد غدا الحديث عن الصحة حديثا مكررا ومملا، فرغم الإنفاق الكبير على الصحة، إلا أن انعكاسات ذلك الإنفاق على أوضاع المستشفيات لا تتسق وحجم الإنفاق، ولو صرفت وزارة الصحة ميزانيتها في توفير بطاقات تأمين صحي للمواطنين للعلاج في المستشفيات الخاصة لأراحت واستراحت.. فهل تفعل؟

[email protected]