وفاة المهاريشي

TT

غاب في قرية هولندية صغيرة الهندي مهاريشي ماهش يوغي عن تسعة عقود وبضع سنين، وهو معلم في الشانكرا تشاريا. ومن الصعب تهجئة الاسمين، لكن الأول هو لقبه والثاني هي مدرسته. لكن خلاصة الأمر أن الرجل الذي توفي عن ثروة بالمليارات، كان يعلم الناس الدخول إلى سكينة النفس، وقد ذاعت شهرته حول العالم عندما تمكن من إقناع أعضاء فرقة البيتلز بالإقلاع عن المخدرات واللجوء إلى اليوغا.

حاولت في الثمانينات أن اعرف ما هي تعاليم المهاريشي. فقد كانت كل جليسة أطفال نستعين بها تأتي الينا وفي شعرها عود أو خرقة حمراء. وذات مرة قال لي صديق عزيز جدا إن ابنته تدرس في لندن وإنها تعمل جليسة أطفال عند الحاجة. وشعرنا بفرح عميم. أخيرا، فتاة من لبنان ليس في شعرها عود ولا خرقة حمراء. وبعد قليل اتصلنا بها. وعندما فتحت لها زوجتي الباب اختفى صوتها تماما. ولما طال الصمت قفزت سريعا استطلع ما حدث، فإذا بابنة الصديق العزيز واقفة في الباب وزوجتي تمسك دفة الباب لا تدري ما تفعل. تقدمت سريعا ورحبت بابنة الصديق العزيز ودعوتها للدخول.

يبدو أن ما أصاب زوجتي بالذهول هو أن القادمة العزيزة كان في شعرها عودان وخرقتان حمراوان، وكانت تلف عنقها بشال هندي. رحبنا بها ونحن نرتعب في داخلنا. ولم أكن أعرف إن كان صديقي يدري أن ابنته من أتباع المهاريشي. وتلك الليلة قررنا ألا نخرج إلى العشاء في أي حال، وجلسنا نصغي إلى الفتاة عن تعاليم المهاريشي. ووجدت فيَّ حماسا خالصا فيما لم تستطع زوجتي التظاهر بأي اهتمام. وسألتني الضيفة الشابة إن كنت أريد الاطلاع على تعاليم المهاريشي فرحبت بنفس الحماس. وفي هذه المرحلة كنت قد نسيت الخوف على ابننا الصغير ورحت أشعر بالخوف ـ بل بالمسؤولية ـ على ابنة صديقي. وسألتها كيف تؤمن دروسها في لندن، فقالت، وكأنها تشرب ماء، إنها تخلت عن الدروس. وقلت، ماذا تعملين؟ أجابت: منجدة! وتطلعت في هذا الجسم الصغير المشكوك بالأعواد والملفوف بالخرق الحمراء، وقلت: «منجدة، بمعنى التنجيد؟ بمعنى تنجيد الكنبات والكراسي والصوفات» وهزت برأسها أن نعم، وكنبات وصوفات وما شابه. وسألتها أين تسكن، فسمت أحد أحياء شرق لندن المغلقة. وتوسلت أن تمنحني علامة اطمئنان واحدة، فقلت: «مع رفيقة لك؟» فأجابت «لا. معي صديقي. هو أيضا مهاريشي». قلت ماذا يفعل الصديق؟ قالت: «آه، جون، إنه أفضل منجد في الحارة».

في المرة التالية جاءت ابنة الصديق العزيز ومعها كتب صغيرة من تعاليم المهاريشي. ولاحظنا أنها زادت الأعواد في شعرها. ورأينا طفلنا ينظر إليها ويضحك للمشهد. وفي كل مرة كانت تأتي كانت تسألني إن كنت قد قرأت التعاليم وماذا حفظت. وقد قرأت بالفعل لكنني لم أحفظ. وكبر ابننا وهو يعتقد أن المهاريشا ليست سوى أعواد في الشعر وخرق حمراء. أما نحن فأدركنا أن أتباعه يعملون منجدين وهو يعمل مليارديراً.