أميركا والاختيار بين ثلاثة أجيال مختلفة

TT

لم يحرز أي مرشح انتصارا حاسما وواضحا يوم الثلاثاء الكبير، إلا ان الخاسر واضح، وهي أصوات في الحزبين الجمهوري والديمقراطي التي ترى ان حملة 2008 ستدور حول النقاء الايدولوجي أكثر منها حول الشخصية.

إلا ان حملة السباق الرئاسي كانت عبارة عن معركة وسط. فالمرشحون الذين نجحوا كانوا في الواقع هم الذين أشاروا في وقت سابق إلى انهم سيعملون داخل أحزابهم لإجازة التشريعات وتحقيق التغيير السياسي. هذا ما حدث لكل الفائزين يوم الثلاثاء الكبير ـ جون ماكين ومايك هاكابي من الحزب الجمهوري وهيلاري كلينتون وباراك اوباما من الحزب الديمقراطي. اما المرشحون الذين خسروا السباق، مثل ميت رومني وجون ادواردز، فهم الذين كانت رسائلهم أكثر استقطابا.

الأمر الذي بات أكثر وضوحا مع استمرار الحملة هو ان الرأي العام ضاق ذرعا من سياسات الانقسام. ترى، كيف يمكن تفسير الظهور القوي لماكين هذا الأسبوع، على الرغم من الهجمات الهستيرية من أمثال راش ليمبا وجيمس دوبسون؟ يبدو ان الجمهوريين أثروا نزعتهم المحافظة اجتماعيا كما جاءت في برنامج مايك هاكابي.

هذه الحملة تركزت حول ما يمكن ان يوحد الاميركيين، لكنها سلطت الضوء أيضا على الانقسام السكاني في الولايات المتحدة. فقد كتب الكثير وسط الديمقراطيين حول القضايا العرقية وقضايا النساء. التأييد الذي يحظى به أوباما وسط السود في كل من جورجيا وألاباما كان واضحا، كما كان واضحا أيضا التأييد الذي تحظى به هيلاري كلينتون وسط المتحدرين من أصول اميركية جنوبية في كل من فلوريدا وأريزونا. إلا ان الانقسام المثير للاهتمام خلال هذه الحملة لم يكن بشأن القضايا العرقية وقضايا النساء بل حول السن. فأبرز المرشحين يمثلون ثلاثة أجيال مختلفة لكل أسلوبه واهتماماته. ولعل هذا الجانب يوضح السبب وراء تريث الكثيرين قبل الوصول إلى تحديد المواقف والتوقعات.

المرشح الأبرز في هذه السياق هو باراك اوباما (46 سنة) الذي يعكس اهتمامات الجيل المقبل الذي يحظى بصعود في الساحة السياسية حاليا. فالذين شاهدوه عندما ظهر في التلفزيون بعد جون ماكين لاحظوا بالتأكيد فارق السن، كما ان حديثه الحماسي يعكس الجانب المتعلق باختلاف الأجيال والتغيير الآتي.

كثيرا ما عقدت المقارنة بين أوباما وكينيدي، وهذا أمر له ما يبرره. كينيدي كان مرشح التغيير المرتبط بالأجيال، وكان مرشح الشباب والعنفوان، مثلما كان يقول. وكان بعض مما جذب اهتمام اميركا والعالم في الستينات شباب وعنفوان جاك وجاكي كينيدي والتباين بينه والفكر الجمهوري لدوايت آيزنهاور. أميركا الستينات كانت واثقة على نحو كاف من إقدامها على انتخاب رئيس عمره 43 عاما. هيلاري كلينتون تنتمي إلى جيل ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الرخاء، وهي تمثل جوانب مثيرة للإعجاب لدى جيلها، وتتسم بالجدية في العمل والنهج العملي. هذه السمات تمثل نقاط ضعف وقوة هيلاري كلينتون في نفس الوقت.

هاكابي أيضا نموذج كلاسيكي لجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو يمثل النموذج الذي رأيته هذا الأسبوع في تينيسي ـ حياة مهنية ناجحة وشعور بالارتياح وتفاؤل إزاء المستقبل.

أمام أميركا بضعة أسابيع وربما أشهر لحسم قضية الأجيال هذه. فهي تريد ان تطوي الصفحة لشخص في الوسط يعمل مع مختلف الخطوط والتوجهات داخل الحزب. ولكن، هل يريد الاميركيون التراجع إلى الخلف أم التقدم إلى الأمام أم البقاء في نفس المكان؟

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست»- خاص بـ«الشرق الأوسط»