الجامعة العربية

TT

حقيقة أغبط السيد عمرو موسى على وظيفته الحالية وبشدة! فهي وظيفة مثالية جدا وطرح توجهاتها دائما ما يكون مصحوبا بقدر عال من الخيال السياسي الخصب، وهي أيضا وظيفة ومنصب غير قابل للمساءلة وغير مطلوب أية نتائج تذكر. وبمعنى آخر هو غير مطالب بكشف أرباح وخسائر عن أدائه. والمنصب يلقى التقدير والاهتمام، فهو يقابل ويعامل كرؤساء الدول ويحضر أجمل المناسبات ويشارك في أرقى المنتديات في منتجعات دافوس السويسرية وفنادق دبي الصاخبة وغيرها، سواء كمتحدث رئيسي أو كضيف شرف أساسي.

ولعل شخصية عمرو موسى تحديدا ساهمت في إضافة جوانب تقدير على المنصب بعد أن كان من يتبوأ المنصب هذا لسنوات طويلة شخصيات عرفت بالهدوء الزائد الذي تحول مع الوقت إلى رتابة وملل كبيرين. وعمرو موسى ينتمي إلى النخبة السياسية في العالم العربي، وهو يمثل حالة القلق المستقبلي الموجود عند العرب فيما يخص وصول الكفاءات المناسبة والمهيأة والجديرة للمناصب القيادية والتنفيذية. والجامعة العربية لا بد أنها تعاني من قصور في النتائج وانعدام أية نتائج «ملموسة» يحس ويشعر بقيمتها المواطن العربي البسيط على كافة الأصعدة، لعل أولها السياسي وثانيها الاقتصادي، ولكنها تشمل أيضا الأوجه الرياضية والثقافية والاجتماعية بدون استثناء.

والإخفاقات التي حصلت لمهام الأمين العام في العراق ولبنان ومحاولاته الفلسطينية البينية، وقضية ملف الصحراء الغربية وملف دارفور السوداني لا بد أنها شكلت «قالبا» للأداء المتوقع من قبل الجامعة.

جامعة الدول العربية، لو تم عمل بحث ميداني منصف وحقيقي على المستوى الشعبي العربي، لظهرت نتائج مخيبة للآمال، فهي إحدى المؤسسات الكبرى التي لا يؤمن الكثيرون بدورها ولا يعتقدون بجدواها، وباتت مؤتمراتها وقراراتها مرادفة لكلمات شجب وإنكار واستنكار واحتجاج التي دخلت في قواميس النكتة الشعبية وبامتياز.

جامعة الدول العربية «باتت» رمزا لسلبية البيروقراطية والانحسار السياسي للمفهوم القومي، وهي بقايا عقيدة سياسية من جيل الستينات الميلادية من القرن الماضي والتي ترتبط إلى اليوم وفي أذهان الكثيرين بالهزيمة والظاهرة الكلامية الفارغة.

جامعة الدول العربية بحاجة لإعادة هندسة نفسها، وإعادة اكتشاف لأهدافها التي أقيمت لأجلها في عالم تغير وتبدل، ولعل ما مر بعصبة الأمم في يوم ما ومن ثم تحولت من بعده إلى الأمم المتحدة بمفهوم جديد وقواعد مختلفة، مطالب بأن تكون لجامعة الدول العربية نفس التجربة المهمة.

جامعة الدول العربية تحولت إلى كيان بيروقراطي يضيف للعرب أسبابا أكبر للإحباط الذي لا يتردد الأمين العام نفسه في الاعتراف به في مناسبات عامة مختلفة.

جامعة الدول العربية هي نتاج زمان وظروف مختلفة عما هي عليه الأمور اليوم، والتعلق بأطلال الماضي الحزين هو إنكار للكثير من القرارات الصعبة والمؤلمة التي على العرب أن يتخذوها اليوم، وطالما استمر وجود هذه المؤسسة كحائط مناحة وبكاء.

اللبنانيون والفلسطينيون والعراقيون والمغاربة والسودانيون وغيرهم لن يأخذوا جامعة الدول العربية على محمل الجد، طالما استمرت توصياتها بدون مخالب وأسنان وهذا لن يتأتى قبل تعديل كامل وشامل في أهدافها وكينونتها.

[email protected]