تركيا: مستقبل أوروبي أم إسلامي؟

TT

يبدو أن الغرب لا يعرف كيف ينظر إلى حزب العدالة والتنمية التركي ذي التوجه الإسلامي: هل يسعى هذا الحزب إلى مستقبل ليبرالي أوروبي لتركيا أم مستقبل إسلامي؟

حظر وضع غطاء الرأس داخل حرم الجامعات التركية ظل على مدى فترة طويلة شوكة في خاصرة حزب العدالة والتنمية، إذ ان هذا الحظر يعني بقاء المسلمات المتدينات خارج مؤسسات التعليم العالي. التقيت ابنة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قبل بضع سنوات خلال زيارة لإلقاء محاضرة حول الإسلام ـ ليس في اسطنبول، وإنما في جامعة إنديانا، حيث كانت تدرس كي تستطيع، من ناحية على الأقل، وضع غطاء الرأس خلال دراستها الجامعية.

حظر ارتداء غطاء الرأس، وهو واحد من مظاهر التوجه العلماني الصارم الذي وضعه مؤسس تركيا، مصطفى كمال أتاتورك، لا يلغى إلا من خلال تعديل دستوري، وهو واحد من عشرات التعديلات التي كان يتوقع ان يطرحها حزب العدالة والتنمية قبل بضعة أسابيع كجزء من عملية مراجعة شاملة للدستور التركي.

مجموعة التعديلات المقترحة، التي سربت للصحف، ستضع الدستور التركي في اتجاه أكثر ليبرالية. وحسبما جاء في تقارير، فإن الدستور طبقا لهذا التوجه سيمنح السيادة للأفراد، وليس للدولة، ويعترف بأن تصنيف «تركي» سيستوعب في الواقع كل المجموعات الإثنية، بمن في ذلك ـ ضمنيا ـ الأكراد، الذين ظلت هويتهم على مر السنوات عرضة للطمس. سيمنح الدستور الجديد المزيد من الصلاحيات للآباء والأمهات في تحديد تعليم أبنائهم وبناتهم، فضلا عن السماح لهم بالاختيار في ما إذا كانوا يرغبون في التعليم الديني الإلزامي المفروض من جانب الدولة. في هذا السياق يمكن القول انه يمكن النظر إلى رفع الحظر عن ارتداء غطاء الرأس كونه خطوة أخرى باتجاه الحرية الدينية التي تؤيدها الدول الغربية.

إلا ان الجدل واللغط الذي صاحب تعديل القانون الذي يحظر ارتداء غطاء الرأس في الجامعات التركية ألقى بظلال من الشك على طرح التعديلات الأخرى المقترحة. بعض المتشددين داخل الحزب الحاكم يتشككون فيما يبدو إزاء جدوى الصراع من أجل المبادئ الدستورية الليبرالية ما دام من الممكن تحقيق مكاسب مثل رفع الحظر عن ارتداء غطاء الرأس بطرق أخرى. اعتقد ان لهم الحق في النظر إلى القضية على هذا النحو. فالحزب الحاكم يجب ان يلتزم جانب الحذر حتى لا يستفز الجيش التركي، الذي لا ينظر إلى نفسه حاميا للديمقراطية فقط بل حاميا للقومية التركية أيضا، فضلا عن انه يشعر بالشك والريبة إزاء أي تعديلات ليبرالية رئيسية.

أثارت قضية التصويت على رفع الحظر عن ارتداء الحجاب في الجامعات التركية تساؤلا كبيرا حول أردوغان: هل هو حريص على خطط حزبه الخاصة بإلاصلاحات الشاملة للدستور التركي، أم انه يخدم ببساطة مصالح دينية؟ إذا كان يسعى لخدمة مصالح دينية، فإن هذا خطأ فادح، لأن تركيا إذا كانت راغبة في الاستمرار في الاندماج في الحضارة الأوروبية والغربية فإنها في حاجة بالتأكيد إلى إثبات ان القيم الليبرالية والإسلام لا يتعارضان. كما ان الأطراف المعنية بهذا الجانب تضم أوروبا، التي ظلت متشككة للغاية لأسباب تاريخية إزاء إدخال دولة غير مسيحية في فلك الإتحاد الأوروبي.

ويبقى القول ان جذور الليبرالية تكمن في الرغبة في حماية الحرية الدينية المسيحية. كما ان قوة الديمقراطية الليبرالية جاءت أصلا من توسيع المواطنة وتوسيع دائرة الحماية للأقليات بنص الدستور.

* بروفيسور بمدرسة هارفادر للقانون وزميل بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي

* خدمة «نيويورك تايمز»