تاتا

TT

عندما رأينا السيارات اليابانية للمرة الأولى، كانت أسماؤها غريبة (جدا غريبة) وأشكالها منفرة. تلك مرحلة كانت فيها السيارات الأميركية سيدة الطرقات والسيارات الألمانية تبحث لنفسها عن مكان خلفها، وليس إلى جانبها. وكانت عناوين الوجاهة والوجود السياراتي أسماء مثل كاديلاك، أولا، وأولدوز موبيل ودوسوتو ومن ثم شفروليه. وإذا نزلت «الثاندربيرد» السبور إلى الساحة أطلت بنات المدارس من الشرفات لكي يرين الفتى الذي خلف المقود. فتقول الصغرى وتقول الوسطى وما الفتى إلا عمر. ومعه ناقة العصر بسنام ينكشف في الربيع ويغطى في هبوب العاصفة.

بعد حين تغير الوضع تماما. السلحفاة الألمانية سبقت الأرنب الأميركي المغرور وراحت تحتل الطرقات وأضواء النيون. وانصرف الأميركيون إلى البلاستيك وبقي الألمان في الحديد قبل الانتقال إلى خفة الألومينيوم. ومن بين المتسابقين أطل القرد الياباني الذي يقلد كل حركات سيده. وما هي سنوات إلا وأصبحت نصف سيارات أميركا مصنوعة في اليابان، رمز الجودة والضمان وعنوان الوفر والأمان. وجاء القرد الصغير يقلد القرد الكبير. وامتلأت أسواق العالم بالسيارات الكورية. وبدت للوهلة الأولى مجرد تنك رخيص. ولكن ما رأي سيادتكم بالسيارات الكورية اليوم. وبالبرادات الكورية. وبالهواتف. وبالشاحنات.

كدنا نعتقد أن عصر المفاجآت في عالم السيارات قد انتهى. روسيا تستورد وتصنع كما كانت تفعل في ظل لينين. والصين تأخذ النموذج وترسله إلى المطابع السريعة لأن قائمة الانتظار بمئات الملايين. وانتهى الأمر؟ لا. لم ينته الأمر أبدا. جاءتنا المفاجأة قبل أسابيع من الهند عندما أنزلت شركة «تاتا» سيارة شبه عارية (مع الاعتذار عن التعبير) سعرها 2500 دولار، أو حوالي ألف جنيه إسترليني، التي كانت سعر سيارة الجاغوار الصغيرة في نهاية الخمسينات. الآن الجاغوار الصغيرة بـ 25 ألف جنيه و«التاتا» بألف وكسور.

اعرف أن الأمر لا يهمك، لكن مصانع أميركا قلقة ومصانع اليابان متضايقة ومصانع كوريا تعقد اجتماعات طارئة على الطريقة الكورية. أي 24 على 24. ذلك أن كل ما نعرفه عن تاتا أنها أول سيارة تصنعها ولا تجمعها الهند. أما الحقيقة فإن الشركة هي إحدى اكبر الشركات في العالم. تتاجر بالشاي منذ القرن التاسع عشر وتضم 98 شركة تتراوح أعمالها بين صناعة الفولاذ والطاقة الشمسية وتبلغ دخولها 30 مليار دولار سنويا.

الحمد لله أننا غير مضطرين للركوب في سيارة تاتا بعد كل هذا العمر. لكن الشركة ليست معتمدة عليك في أي حال. إنها تبحث عن ملايين الهنود والصينيين والأميركيين الذين سيملأون الطرقات سيارات صغيرة شبه عارية، مثل غاندي، الذي اكتفى طوال عمره بإزار يلف نصف جسمه. وكان نصفا ناحلا مثل النصف الذي لم يغطه.