من يفوز بالانتخابات الأميركية؟

TT

هل يفوز الجمهوريون بالرئاسة في الولايات المتحدة مرة أخرى؟

سؤال يراود الكثيرين، بعد أن تقدم المرشح الجمهوري جون ماكين على منافسيه بما حصد من ممثلين في الولايات سيصوتون له في المؤتمر العام للحزب، (707) ممثلين delegates، وخروج ميت رومني من السباق الجمهوري للرئاسة. وتقاربت نسبة الممثلين بين هيلاري كلينتون وباراك أوباما في الحزب الديموقراطي (1045 ممثلا لكلينتون مقابل 960 ممثلا لأوباما). الحزب الجمهوري يحتاج مرشحه إلى الحد الأدنى من عدد ممثلي الولايات (1191) يصوتون لصالحه في المؤتمر العام للحزب، بينما في حالة الديموقراطيين، فمرشح الحزب يحتاج إلى الحد الأدنى من الأصوات، (2025) ممثلا عن الولايات، ليصوتوا له في المؤتمر العام للحزب.

هذه الحسبة المعقدة تخلق حالة من التشويش عند المحللين العرب، وتقود إلى أخطاء في دراستهم وتناولهم لمجريات الانتخابات الأميركية.

أول خطأ شائع يردده المحللون العرب هو أن الولايات المتحدة الأميركية دولة ديموقراطية. لكن الحقيقة أن أميركا هي نظام جمهوري ((Republic، أميركا جمهورية وليست ديموقراطية. أي أن نظامها الانتخابي ليس الانتخاب الحر المباشر كما الحال في النظام الديموقراطي. الأميركيون لا يصوتون مباشرة لانتخاب الرئيس، وإنما يصوتون لمن ينوب عنهم في هذا الانتخاب electors))، كما في الأنظمة الجمهورية. الذين يختارون رئيس الولايات المتحدة الأميركية هم 535 شخصا يمثلون الولايات الأميركية الخمسين، إضافة إلى 3 أشخاص يمثلون العاصمة واشنطن، وهي مقاطعة محايدة لا تتبع لأي ولاية، لها تمثيل سكاني بثلاثة مقاعد في مجلس النواب، ولكن بما أنها ليست ولاية فلا يحق لها أن تمثل بمقعدين، كما كل الولايات، في مجلس الشيوخ. أي أن عدد الناخبين المباشرين للرئيس يساوي عدد مجلس النواب الأميركي. هذه هي البداية لفهم الانتخابات الأميركية.

الانتخابات الرئاسية الأميركية محددة بتواريخ ثابتة. حيث تجرى في الرابع من نوفمبر كل أربع سنوات. يظل الرئيس السابق هو الرئيس بعد إعلان فوز الرئيس الجديد، لمدة تقرب الشهرين، أي يغادر الرئيس القديم البيت الأبيض في شهر يناير. في هذه الفترة (الشهرين) يمكن للرئيس أن يتخذ القرارات التي يريدها، وهناك من يتنبأ بأن جورج بوش قد يضرب إيران في الفترة الانتقالية تلك.

التواريخ في الانتخابات الأميركية، سواء أكانت الأصلية أم التمهيدية، هي تواريخ مقدسة. في هذا العام، خالفت ولايتا ميتشغان وفلوريدا الموعد المحدد لانتخاباتهما التمهيدية للحزب الديمقراطي، فعاقبهما الحزب بإلغاء تمثيليهما في المؤتمر العام للحزب. هذا الإلغاء قد يعقد الأمور في المؤتمر العام للحزب الديموقراطي، خصوصا أن عدد الممثلين delegatesالذين يمثلون كلا من المرشحين الرئيسيين للحزب هو عدد متقارب. ميتشغان وفلوريدا قد تكونان سببا في خلق غمامة كبرى هذا العام. أي أن تدور معركة حول قرار إلغاء أصواتهما، خصوصا أن التصويت الشعبي في الولايتين كان لصالح مرشح واحد هو السيدة كلينتون.

يعقد الحزب الديموقراطي مؤتمره في الفترة من 25 إلى 28 أغسطس بمدينة دينفر بولاية كولورادو، في حين يعقد المؤتمر العام للحزب الجمهوري في المدينة التوأم منيابولس وسانت بول بولاية مينيسوتا من 1 إلى 4 سبتمبر. أي أن الديموقراطيين سيعقدون مؤتمرهم قبل الجمهوريين بأسبوع واحد. وغالبا ما يكسب الحزب بعض النقاط في استطلاعات الرأي العام بعد انعقاد مؤتمره والتغطية الإعلامية الكبيرة التي تخدم الدعاية للحزب وخطابات قياداته. فلن يكون مفاجأة أن نرى في هذا الأسبوع تقدما للديموقراطيين على الجمهوريين في النقاط، ثم ما يلبث الأمر أن يعود إلى طبيعته بعد أن يعقد الجمهوريون مؤتمرهم.

تعقيد آخر في انتخابات مرشحي الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية، حيث يوجد ما يعرف بالممثلين الكبار (super delegate)، وعددهم 796 ممثلا، أي أنه عندما يعلن السيناتور إدوارد كينيدي تأييده لباراك أوباما، فمعنى ذلك أن أوباما قد كسب صوتا من الـ 796 ممثلا، لأن كينيدي من الممثلين الكبار للحزب (super delegate). في حالة تقارب الأصوات بين أوباما وكلينتون، فإن الممثلين الكبار قد يكونون هم الحسم في قضية من سيفوز بترشيح الحزب. في هذا الجو المتوتر، أي في ضوء تقارب الأصوات بين مرشحي الحزب، يصبح أمر الحسم منوطا بقمة الحزب بين ممثليه الكبار، وبالتالي فإن الحزب الديموقراطي قد يتعرض لانقسام وتمزق في الرأي على مستوى أعلى قياداته، بينما الحزب الجمهوري الذي ليس لديه مفهوم (super delegate) في تركيبته التنظيمية، والذي يتوجه الآن إلى تأييد مرشح واحد هو جون ماكين، خصوصا بعد خروج ميت رومني من السباق، يبدو الآن أكثر تماسكا.

الديمقراطيون يقدمون هذه المرة على عمل (ثوري). فهم وضعوا القيم الأميركية على المحك، ووضعوا الأميركيين أمام خيار صعب لانتخاب رئيسهم المقبل، إما إمرأة أو رجل أسود. السياق الثقافي الأميركي سيكون هو العنصر الحاسم في هذه الانتخابات، فالثقافة الأميركية ثقافة ذكورية بيضاء إذا ما وصل الأمر إلى البيت الأبيض. فقد تتسامح هذه الثقافة كثيرا بصعود أي إنسان مهما كان أصله متواضعا، ولكن النظرة المحافظة التقليدية إلى رئيس الولايات المتحدة ما زالت بعيدة جدا عن قبول إمرأة أو رجل أسود. أقصى ما وصلت إليه أميركا، حتى اليوم، من ناحية تعيين الأقليات في مناصب عليا، خصوصا السود، كانت حالتي كولن باول وكوندوليزا رايس، كوزيري خارجية. في أميركا، على المستوى الشعبي، فسر فشل آل غور في انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2000، أنه اختار نائبا له من أصول يهودية هو جو ليبرمان.

أميركا ربما تكون أكثر تقبلا لفكرة إمرأة بيضاء كرئيس للجمهورية أكثر من جاهزيتها لقبول رجل أسود لهذا المنصب، أي قد يكون التمييز ضد اللون أكثر حضورا في الذهنية الأميركية من التمييز ضد الجنس. لكن تقديري الشخصي، كما ذكرته لصديق نابه سألني بخصوص فرص كل من أوباما وكلينتون في الرئاسة، هو إن كانت المدينتان السعوديتان المحافظتان (بريدة وعنيزة)، تقبلان برجل مختلط العرق أو إمرأة كرئيس، فإن أميركا ستقبل بهما. بالطبع قد يبدو هذا التقدير نوعا من المبالغة، ولكن قلب أميركا ما زال محافظا، وسأكون مندهشا أشد الدهشة لو فازت كلينتون أو أوباما في الانتخابات.

الذين يرون في تقدم أوباما في استطلاعات الرأي مؤشرا للفوز، أذكرهم بأن تقدمه أيضا هو مثار قلق، فكلما زادت فرصه في أن يكون مرشح الحزب، زادت مخاوف البيض منه. أي أن فرص أوباما بعد انتخابات (الثلاثاء الكبير) ستتناقص عما حصل عليه من أصوات من قبل. وإذا أضفنا إلى هذا الأمر، مشكلة الانقسام الداخلي في الحزب الديموقراطي، إذ هناك من يرفضون فكرة العائلات السياسية، فالتبادل بين بوش وكلينتون منذ نهاية الثمانينات في القرن الفائت، يعني أن جيلا من الشباب في الثلاثينات من العمر لم يصوتوا في حياتهم إلا وكلينتون أو بوش على قائمة المرشحين. هذا الرفض لفكرة العائلات السياسية يضعف بالطبع من فرص هيلاري كلينتون في الحصول على ترشيح الحزب ويزيد من فرص أوباما. إذا ما حدثت المعجزة واختار الحزب الديموقراطي أوباما، فليس لذلك سوى معنى واحد وهو فوز جون ماكين والحزب الجمهوري بالرئاسة للمرة الثالثة على التوالي.

تتزايد فرصة جون ماكين أيضا لأن الحزب الجمهوري بتأييده لمرشح واحد هو أكثر تماسكا من الحزب الديموقراطي. ظني أن الوضع كما نراه الآن يصب في مصلحة الجمهوريين ومصلحة جون ماكين للفوز بالرئاسة، رغم كل ما يقال عن أخطاء جورج بوش والإدارة الجمهورية على المستويين الداخلي والعالمي.