ذهب وفضة

TT

 في صباي، كنت أحلم بأن اكون أما لعدة أطفال. ولكن شاء الله سبحانه وتعالى ان يمن علي بواحدة. وحين أسترجع  الازمات التي لا تخلو منها حياة اي ام، أشكر الله انني لم أعش الازمات بدل المرة الواحدة اربع او خمس مرات. وترتعد فرائصي خوفا لو لم تنته الازمات على خير.

خطوة واحدة في غير الطريق السليم يمكن ان تودي بحياة طفل صغير بين يدي أم قليلة الخبرة والتجربة. أذكر ان ابنتي قبل ان تكمل عامها الرابع استيقظت من نومها وقد تغيرت ملامحها تماما حيث انتفخت الشفاه وتورمت العينان حتى اصبحتا كعيون سكان الجبال في اسيا واحمرت بشرتها وهي تبكي بشدة. كان والدها غائبا في سفر والساعة قاربت الثانية بعد منتصف الليل. ووقعت انا فريسة خوف لا يمكنني ان اصفه مهما بلغت مهاراتي اللغوية. وبكيت وأنا اضمها الي صدري الملتاع. ثم هداني التفكير الى الاتصال بجارتي الانجليزية التي كانت تكبرني في العمر والتجربة كأم، فجاءت مسرعة وهي بملابس النوم ونظرت الى وجه طفلتي وقالت لي بهدوء: لا تجزعي فهذا نوع من الحساسية وان الاعراض سوف تتراجع بلا سوء، وان علي ان اذهب بالطفلة الى الطبيب صباحا لمعرفة اسباب الحالة.

عند الطبيب اكتشفت ان ابنتي التي تعاطت دواء في الليلة الفائتة حساسة لكل مركبات البنسلين. ومنذ ذلك اليوم لم تقرب اي دواء يدخل البنسلين في تركيبه.

واذكر انني ألحقتها بمدرسة تعلم ابناء العرب اللغة في عطلات نهاية الاسبوع. فكانت تبكي وترفض الذهاب الى المدرسة متعللة بشتى العلل. فتارة تريد ان تزور صديقاتها في ايام العطلة وتارة تشكو من معلمة اللغة العربية التي تصيح في الاطفال وتضربهم احيانا. وكنت اتحايل على رفضها باللين تارة وبالشدة تارة اخرى. ثم لاحظت انها تشكو من المغص في ايام الجمعة التي تسبق ايام السبت المحددة لتعلم اللغة العربية. وتصورت انها تتمارض فأتجاهل شكواها واصحبها الى المدرسة. ثم جاء يوم ارتفعت فيه نبرة الشكوى من الألم بحيث اضطررت لاصطحابها الى عيادة الطبيب حيث اكتشفت انني كنت ظالمة لها. فقد كانت تعاني من التهاب حاد في المصران الأعور استلزم خروجنا من العيادة الى المستشفى فورا حيث اجريت لها جراحة عاجلة لاستئصال المصران الملتهب.

مازالت تلك الازمة تلهمني بأحاسيس شديدة التعقيد منها الاحساس بالذنب لأنني لم اتحر الدقة والرأفة في التعامل مع الطفلة ولأنني تركتها تتألم وتشعر بالظلم، وربما تسببت لها في كراهية تعلم اللغة العربية لفترة طويلة الى ان التحقت فيما بعد بأكاديمية الملك فهد كطالبة نظامية تتعلم اللغة والدين ضمن منهج متكامل.

اليوم قرأت بحثا علميا ألمانيا عن ظاهرة سماها العلماء ظاهرة مينشهاوزن. وهي ظاهرة تصيب الامهات لا الأطفال. وفيها تسرف الأم في الاهتمام بصحة الطفل، بحيث تذهب به الى الطبيب بمناسبة وبدون مناسبة لا حبا في الطفل ولا خوفا عليه ولكن خضوعا لوهم يمنيها بأن تكون اما مثالية لأنها تعتني بطفلها كل تلك العناية ربما لأنها لم تلق عناية كافية من ذويها في الطفولة.

أتطلع الى اليوم الذي تصبح فيه ابنتي أما فانقل لها ذلك الجانب من حياتي معها لكي تتعلم من اخطائي. ولو كان الأمر بيدي لاشتريت لها الكتب بالعشرات لكي تثقف نفسها استعدادا للامومة التي اعتبرها تاج اكبر امبراطورية تقدمه الحياة للانثى على صحف من الذهب والفضة. شريطة ان تستعد له بالعلم.