بعد رد جنبلاط والحريري: هل يمر يوم 14 شباط بسلام؟

TT

انتظر الزعيم السياسي اللبناني وليد جنبلاط طويلا قبل أن يرد على تحديات المعارضة وتهويلات المعارضين على الحكومة والأكثرية النيابية. كذلك زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، الذي رفع صوته معلنا استعداد الأكثرية النيابية وفريق 14 آذار، للرد على التحدي بالتحدي. وكان قد سبقهما الى الرد، بالمعنى ذاته، زعيم القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع.

كانت الأكثرية النيابية، التزمت، منذ اشهر، موقفا آخر وهو عدم التصعيد ومد اليد، بل والتراجع عن بعض مواقفها ومطالبها. تراجعت عن حقها في انتخاب رئيس بأكثرية نسبية. سكتت عن دخول وخروج «الوزراء ـ المعارضين» الى وزاراتهم، كما يشاءون وحين يشاءون. وتنازلت عن مرشحيها للرئاسة ورشحت قائد الجيش، أي بتعديل الدستور وانتخاب عسكري، معروف بعلاقاته الجيدة مع حزب الله وسوريا. كما قبلت بأن لا تكون لها الأكثرية المرجحة في حكومة الاتحاد الوطنية العتيدة. ولكن كل ذلك لم يرض المعارضين، بل زادهم تصلبا وشروطا وتهجما وتهديدا بالشارع وغير الشارع. وكان إفشال مهمة عمرو موسى الأخيرة، ثالثة الأثافي، إذ لم يبق هناك من شك عند اللبنانيين والدول العربية والمجتمع الدولي، بأن المعارضة لا تريد انتخاب العماد سليمان رئيسا للجمهورية، وأنها تريده أن يكون مكبل اليدين بالثلث المعطل، وهي بدعة لم يعرف علم السياسة ولا تاريخ الديموقراطية، لها سابقة.

لقد وجدت الأكثرية والمجتمع الدولي وجامعة الدول العربية، نفسها لا أمام باب مسدود، فحسب، بل «ظهرها الى الحائط»، وانه لم يبق لها سوى الاندفاع الى الأمام لإخراج البلاد من المأزق الذي أوصلت اليه، ومن المحنة التي زجت المعارضة البلاد فيها.

إننا نكتب هذا المقال قبل إن يصدر رد المعارضين، ولا سيما حزب الله، على اللهجة الجديدة في خطاب الأكثرية النيابية. ومن المستبعد أن يكون هناك رد على الفور، ربما يتأخر يوما أو يومين. فهل يكون ردا تصعيديا. وماذا ستكون عناوين التصعيد والمزايدة؟ الشارع بالشارع؟ حشد شعبي معارض في ساحة رياض الصلح يتلو، أو يترافق، مع الحشد الشعبي الذي دعا اليه فريق 14 آذار؟ تظاهرات وأعمال شغب، تهدر فيها الدماء؟ تفجيرات واغتيالات جديدة؟ ان جبهة 14 آذار، عازمة وقادرة على حشد مئات الألوف في ساحة الشهداء، بعد ثلاثة أيام. اللهم الا اذا كانت هناك خطة عند المعارضين لتعطيل تجمع هذه الحشود الشعبية، التي يلعب توفير السلامة لها، دورا كبيرا في توافدها وتجمعها، بعكس حشود حزب الله التي تكفي اشارة واحدة من الأمين العام للحزب، كي تتقاطر وتتجمع وتندفع. لقد نجح الجيش اللبناني، منذ الحشد الجماهيري الضخم الذي تلا اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، والحشد المعارض المقابل، في التزام موقف حيادي، كان له الفضل الأول في تلافي وقوع اي إخلال بالأمن أو تخريب أو سقوط ضحايا. ولكن «موقف» أو بالأحرى «موقع» الجيش، بعد ترشيح قائده للرئاسة، وخاصة بعد اغتيال ضباطه وما حدث في الشياح مؤخرا، يبدو، اليوم، أدق وأصعب. وإذا كان الداعون الى هذا النزول الى الساحات، من معارضين أو موالين، حريصين على تلافي العنف والتصادم، فان «الطوابير الخامسة» أو «الأصابع الخفية»، وما أكثرها في لبنان اليوم، حاضرة ومستعدة، لإشعال نار الفتنة.

إن السؤال الذي يرتفع، اليوم، كالسيف فوق رؤوس اللبنانيين، هو: ماذا إذا قاد هذا التصعيد المفاجئ، في المواقف السياسية بين الأكثرية والمعارضة، والمقترن بالحشد الشعبي، أي النزول للشارع، الى وقوع ما يخشاه الجميع، أي اندلاع حرب أهلية جديدة في لبنان؟

إن أكثرية اللبنانيين ترفض الحرب الأهلية، واللجوء الى القوة والسلاح لحسم الخلافات السياسية. ولكن إذا وقعت الفتنة، لا سمح الله، فإن لبنان لن يتحول الى ساحة اقتتال بين اللبنانيين فقط، بل بين الدول العربية على أرضه. ولن يقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي هذه المرة. إن رفع زعماء الأكثرية النيابية أصواتهم وردهم على التحدي بقبول هذا التحدي، لا ينبع من «تكتيك» سياسي، بل يستند الى معطيات عربية ودولية «طفح كيلها» أكثر مما طفح كيل الأكثرية النيابية التي تستند الى نصف اللبنانيين، في اقل تعديل، وعلى الثلثين إذا اعتبرنا أن مناصري العماد عون من المسيحيين، لن يحملوا السلاح معه إذا وقعت الحرب الأهلية، لا سمح الله.

هل سيمر يوم 14 شباط بسلام؟ هل ستجدي «وقفة» الأكثرية الجديدة، بعد طول التأني ومد اليد، في إقناع المعارضين، باعتماد أسلوب آخر في المعركة التي يقودونها؟ ربما. ولكن هل الكلمة الأخيرة الحاسمة لمواقف المعارضين، هي في «الرابية» و«الضاحية»؟ أم في مكان آخر؟ وماذا يريد هذا المكان، أو بالأحرى، المكانان.. من لبنان؟