ذكرى اغتيال

TT

بعد أيام تمر الذكرى السنوية لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وحال بلاده أسوأ مما يمكن تخيله على الصعيد السياسي، ومعاناة غير مسبوقة من فراغ سياسي هائل.

ومنذ اغتيال الحريري والبلاد تعيش حال انقسام حاد انتقل إلى أقطار عربية وعالمية اتخذت مواقف حيال الوضع اللبناني، واضعة شروطا استباقية قبل أي قرار من الممكن اتخاذه. ولعل أحد أغرب التعليقات التي يتداولها أنصار المعارضة في لبنان احتجاجا على موقف الأغلبية وتيار المستقبل تحديدا هو: «معقول سعد الحريري يريد أن يذهب بلبنان إلى الجحيم لأجل قضية شخصية وهي اغتيال والده؟»، والغريب أن هناك قناعات راسخة تدافع عن هذا المنطق (إذا كان بالإمكان استخدام كلمة منطق أصلا!) هل كان رفيق الحريري هو «والد سعد الحريري» فقط أم أنه كان الرمز اللاطائفي الوحيد الذي احتوت مجموعته على أطياف لبنان كله، على عكس جميع الزعماء الآخرين الذين كانوا ولا يزالون لا يتحدثون إلا بالطائفة ولا غير ذلك.

ألم يكن رفيق الحريري نفسه المشروع الإنمائي الوحيد الذي كان عمليا يبني في لبنان وتظهر نتائجه للعين بدلا من التنظير عنها ومحاربة كل محاولة إيجابية في خطب وندوات وصحف وتلفزيون ووسائل أخرى مختلفة. لقد كان رفيق الحريري بارقة الأمل التي جمعت اللبنانيين بمختلف طوائفهم لأن مشروعه كان مشروع بناء وإعمار وتطوير وإعادة ثقة.

ما يغفل عن ذكره اللبنانيون حين ترديد ذكرى الحريري وعهده هو الفرق في العهود التي سبقته والتي تلته، وكيف أنه وفي عهده كان فترة الأمل والاستقرار التي عاشها لبنان. اللبنانيون يغرقون في أوحال ذاتية الصنع يجيرونها بطيب خاطر على الغير.

ذكرى اغتيال رفيق الحريري تأتي وتمر واللبنانيون لا يزالون غير قادرين على النظر أبعد من مستوى أقدامهم والخروج من الصندوق الأسود الذي علقوا والتفكير بعيدا عنه. يبدو أن الحريري كان يحلم بحجم أكبر من قدرة اللبنانيين أنفسهم أو أكبر من قدرتهم على استيعاب المعاني والقيم المصاحبة لها. لبنان (المشروع العلماني الأول بالمنطقة والذي كان يروج لنفسه أنه منارة للحقوق والديمقراطية) تحول إلى الشكل القبيح للانقسام الطائفي والمناطقي.

ذكرى اغتيال رفيق الحريري ليست ملكا لفريق بعينه ولا لشخص بذاته، ولكنها ملك كل اللبنانيين وفرصتهم للخلاص من شباك الماضي وأوهام الحاضر. التاريخ لا يمنح الفرص للشعوب مرات كثيرة، وعليه فإن طريق الندم يبقى الخيار، ومع استمرار تكرار نفس المآسي بنفس الطريقة وبنفس الأساليب يبدو أن اللبنانيين قرروا وبسهولة ألا يتعظوا من العبر والدروس التي تقدم لهم.

القضية ليست عدالة وتحقيق محكمة بحق اغتيال شخصية عامة، ولكن الموضوع قرار شعب أن يعيش بكرامة وحرية موحدا، وتبقى الإجابة عنه بانتظار يقظة ضمير جادة من الجميع في لبنان، وإن كان هذا يبقى مصنفا وحتى إشعار آخر في دائرة الأحلام!

[email protected]