تصور لو أن لديك حديقة حيوان بها: 10 قرود، وأربعة أسود، ونصف فيل، و3 نمور، و7 غزلان، و12 ثعبانا، وزرافة واحدة، و5 حمير وحشية، و7 ذئاب، و100 طائر.. وطلب منك صاحب الأرض أن تحمل حيواناتك وتمضي.. ماذا ستفعل؟!.. أغلب الظن أنك ستكون في ورطة كبرى، خاصة إذا كنت في مدينة كجدة ليس بها حديقة حيوان واحدة يمكن أن تستضيف حيواناتك مؤقتا على الرحب والسعة، حتى تتدبر أمرك فتذبح ما يمكن ذبحه، وتطلق ما يمكن إطلاقه، وتستأنس ما استوحش منها كالذئاب والأسود والنمور..
وإذا فرغت من التصور، ووقف حمارك في العقبة، فاعلم أن واحدا من الناس يواجه الآن مثل هذا الموقف على أرض الواقع، وهو صاحب حديقة الأنعام الجميلة، الحديقة الحيوانية الوحيدة في مدينة جدة التي تصطحب الأسر أبناءها إليها لرؤية مخلوقات الله من الطيور والحيوانات، فبينما كان صاحب الحديقة في انتظار حكم ديوان المظالم، وتقرير لجنة المجلس البلدي بخصوص مصير حديقته، فاجأته «تراكتورات» الأمانة صباح السبت الماضي ـ بحسب صحيفة «الشرق الأوسط» ـ لتزيل أسوار الحديقة، ولم يجد المسكين ما يعلق به على ما حدث سوى قوله:
ـ «أين آخذ تلك الحيوانات والطيور، هل سأحملها إلى البيت»؟!
فالرجل في مواجهة أزمة معقدة، وورطة كبرى، تتطلب منا مواقف شهامة تتمثل في تخفيف حمل الرجل باستضافة بعض حيواناته، كأن يأخذ أحدنا أسدا إلى شقته، والآخر زرافة، والثالث ثعبانا، أما أنا فللعلاقة الاسمية بين لقبي «دياب» و«الذئاب» فسأتحمل مسؤوليتي نحو هذه الكائنات التي حمل اسمها جدي، وأورثنا تبعاتها من بعده.. ولما كان الرجل المتحسر على ما آل إليه أمر حيواناته يعتزم مطالبة الأمانة بتعويض مادي يغطي خسارته، فإن مشاركتنا له في هذه الأزمة ستمنحنا الحق في أن نقتسم معه التعويض، كل بحسب ما استضاف، وستكون لمضيف الأسد حصة الأسد إن سلم من الافتراس..
وإن كنت لا أعرف على وجه الدقة أعداد الحيوانات والطيور التي تضمها تلك الحديقة، فآخر مرة ذهبت إلى زيارتها كانت قبل سنوات بعيدة، وكان موقعها نائيا في أطراف المدينة، وامتد إليها الإسكان بعد ذلك، وغدت ـ دون شك ـ مصدر إزعاج لجيرانها، لكن الحل لا ينبغي أن يكون بـ«التراكتورات» وهدم الأسوار، بل بالتخطيط أولا لإيجاد المكان البديل الذي تنقل إليه هذه الحديقة وكائناتها غير القابلة للحفظ والتخزين.. أوليس من المستغرب أن نتحدث عن سياحة أسرية في مدينة ليس بها ولو نصف حديقة حيوان؟!