الديموقراطية الهاتفية

TT

صرنا أمام صيغة جديدة لم تخطر من قبل على بال منظري العمل السياسي. الرسائل الهاتفية نموذج للبرلمان الالكتروني الذي يشارك فيه ليس بضعة عشرات من النواب بل عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من الرسائل التي تعبر عن رأيها.

هل هذا يعني نهاية الرفض الرسمي للديموقراطية الحديثة، بعد أن أصبحت قائمة بواقع تقني جديد؟

ام أن البرلمانيين سيواجهون التهميش بعد أن صار هناك خط ساخن مباشر يصل المواطن بحكومته بعيدا عن الوسيط المنتخب، الذي يكون إما عاجزا عن التنفيذ لأنه في الجانب التشريعي لا التنفيذي، أو لأن حساباته لا تتفق دائما مع مرشحيه الذين يبيعهم وعودا انتخابية مبالغا فيها؟

لا يمكن أن نستهين بالتغيير الجديد إذا أدركنا أن نحو نصف المواطنين، في كثير من الدول العربية، يملك كل منهم على الأقل هاتفا جوالا واحدا، بمن فيهم الفقراء. الرقم من الضخامة بحيث لا يستطيع أي نظام انتخابي أن يماثله من حيث عدد المشاركين، وبالطبع لا يستطيع أي نظام ديموقراطي انتخابي أن يماثله في السرعة وحجم التعبير الشعبي. وقد يقول قائل إن التعبير تلقائي بالفعل لكنه ليس عفويا. فكثير من الحملات التي انتشرت عبر الهاتف الجوال بدأت من جماعات ضغط، بعضها لم يكن مستترا، قادت الآلاف إلى ترديد نفس المطالب او الاستجابة للمطالب مثل المقاطعة أو المشاركة.

الانتخابات النيابية العربية، حتى في الدول الأقل تزويرا مثل المغرب والكويت، لا تستطيع اجتذاب سوى ثلث المواطنين، وهي عندما تفعل لا تستطيع أن تحافظ على الزخم الشعبي لما هو ابعد من أسبوع واحد خلال أربع سنوات من النشاط البرلماني. أما في الديموقراطية الهاتفية فإننا أمام حضور مستمر يعتمد على أهمية الموضوع ومدى خطورته في حياة المواطن العادي وهذا أمر جيد، من صالح النظام السياسي كما يخدم المواطن العادي. إنما يستطيع أي مشكك في فعالية النظام الهاتفي في التعبير الشعبي أن يشير إلى أن البرلمان الهاتفي لا يستطيع أن يحل محل النواب الذين يمضون وقتا طويلا ليس في الشكوى فقط، كما تفعل الرسائل الهاتفية، بل في البحث عن حلول وتقديم مشاريع عملية، والدفاع من اجلها لدى فئات مختلفة من اجل خدمة المواطن، وهذا ما لا يمكن أن تفعله رسالة هاتف مختزلة في عشرين كلمة.

وهذا صحيح أيضا، لكن الصوت الشعبي الذي تنقله التقنية الحديثة لا يمكن الاستهانة به وبقدرته الملموسة على التأثير على كافة المستويات، خاصة ان القليل يمكن فعله ضدها من قبل الحكومات الغاضبة. أيضا، لا يستطيع اليوم حفنة من البرلمانيين أن يدعوا أنهم وحدهم يمثلون الناس في وقت يستطيع كل مواطن عادي أن يقول رأيه بضغطة من إصبعه. وقد سمعت من أحد السياسيين مشككا في أهمية التعبير العلني قائلا انه يعتقد أن جماعة واحدة من الناس أكثر مصداقية عندما تقدم مطالبها منا نحن معشر الكتاب، لأنه فقط يستطيع قياس الأمور بالعين المجردة. الآن دخلت قوة الرسائل الهاتفية التي لا يستهان بها كمعبر عن التيارات العامة، فهل تتبدل قواعد الحساب السياسي؟

[email protected]