يستحق الرحمة والاحترام

TT

الصحافة العربية تحديدا اعتمدت على جذب القراء من خلال كتاب أعمدة مميزين أصحاب رأي جريء ونهج واضح. وهناك العديد من الأمثلة الناجحة جدا التي تحولت الى مضرب للأمثال في ذلك. فلم يكن من الممكن قراءة «النهار» اللبنانية دون التمعن والتلذذ بعمود الفذ «ميشال أبوجودة» والذي كان أحد أهم كتاب العمود اليومي، ولا يمكن تذكر «الأهرام» القاهرية دون تذكر الكاتب البارع «أحمد بهاء الدين» واليوم لا تقرأ «الشرق الأوسط» دون المرور بعمود «عبد الرحمن الراشد»، وبطبيعة الحال هناك العديد من الأقلام المميزة التي تحتل أماكن شديدة التميز في صحف عربية مختلفة.

منذ يومين انتقل الى رحمة الله تعالى الكاتب الصحفي المميز مجدي مهنا، صاحب أشهر عمود يومي في الصحافة المصرية المستقلة اليوم. مجدي مهنا كان له نمط وأسلوب يمتاز بالجرأة والصراحة والوضوح أخاف به الكثيرين، ولكنه نال احترام الجميع بجدارة ومهنية وتميز. في جو اختلطت فيه الصراحة وحرية الكلمة بالخروج عن الأدب والإثارة غير المبررة وباتت الكلمة الناقدة المسؤولة عملة نادرة. كان قلم مجدي مهنا جريئا وناقدا ومميزا يجعل كل من يقرأه يتساءل: كيف سمح بنشر هذا؟ ولقد ركز مجدي مهنا على صحافة تحسين المضمون من دون الاعتماد على تحسين قشور الشكل التي سرعان ما يشمئز منها القارئ ويهرب منها .

وكان مقال مجدي مهنا دائما ما يتعمق في الشأن المحلي مهما بلغت حساسيته ولا يقتصر نقده البناء على «الجدران المنخفضة» التقليدية والمقبولة والآمنة لجهات كوزارة الصحة ووزارة الزراعة، بل كان يتعمق في المسألة السياسية الدقيقة وأبعادها بشكل مباشر وبشكل لا يمكن أن يفهم إلا بنفس الأسلوب الذي كتب فيه المقال، وبالتالي لا يوجد أي داع للقراءة ما بين السطور وفك الطلاسم والأحاجي والألغاز.

ولقد كانت لمجدي مهنا تجربة تلفزيونية مهمة ولافتة وبات برنامجه «في الممنوع» (وهو يحمل نفس عنوان مقال عموده اليومي) مقعدا ساخنا لكل ضيف فلا يمكن توفير أي سؤال محرج وجاد وقوي إلا ويطرح بشكل واضح، حتى أصبح أحد أكثر البرامج الجادة والمحترمة للمشاهد المصري.

في ظل غياب «احترام القارئ» ومخاطبة عقله ومكاشفة القضايا العالقة «المحلية» دون الادعاء بمكاشفة ونقد قضايا الغير واستعراض العضلات فيها كان الظهور المميز لقلم وعمود مجدي مهنا، وهو الذي تخصص في الشأن المحلي يساعده جهاز نشر وتحرير متفهم لهذا التوجه مما أسفر وبشكل مباشر عن أن يؤدي عمود مجدي مهنا الى أحد أهم الوسائل تأثيرا في رفع معدلات توزيع الصحيفة التي كان يكتب فيها ونال بالتالي احترام ومحبة القراء بشكل استثنائي. رحم الله مجدي مهنا رحمة واسعة، فلقد كان مثالا للقلم الحر الشريف والمسؤول راعى فيه ضميره والصالح العام ولم ينحن للأهواء ولا الضغوطات فكتب لنفسه تاريخه بحبر الضمير والمسؤولية. سيفتقده محبوه وقراؤه كثيرا.

[email protected]