الشريعة.. «لوو»

TT

واحد من اهم اسباب الاشتباكات الفكرية التي اصبحت تتكرر حديثا في الغرب حول الاسلام والمسلمين هي الصورة النمطية المتخيلة لدى قطاعات كبيرة من الجمهور الغربي ويسهم في ترسيخها بعض المسلمين عن الشريعة ودورها في الحياة اليومية وما يطلق عليه باللغة الانجليزية (الشريعة «لوو») أي قوانين الشريعة، بينما لا أحد حقيقة يعرف المقصود او الكيفية التي يمكن بها تطبيقها.

مثال على ذلك المعركة التي لم تهدأ بعد والتي تفجرت بعد ان اطلق اسقف كانتربري اعلى سلطة دينية في الكنيسة الانجليزية الدكتور رون ويليامز تصريحاته قبل ايام عن التفكير في استيعاب بعض قوانين الشريعة الاسلامية في بريطانيا لحل مشاكل اجتماعية مثل الطلاق والخلافات الشخصية الى اخرها.

واطلقت تلك التصريحات موجة انتقادات وحملات اعلامية وصلت الى حد مطالبته بالاستقالة واتهامه باضعاف سلطته الدينية ومساعدة التطرف، وانتقدته حتى بعض الشخصيات الاسلامية البريطانية المرموقة التي قالت انها لا تريد قوانين خاصة بالجالية المسلمة تؤدي الى العزلة بدلا من الاندماج، ويبدو ان الكنيسة الانجليزية فوجئت بحجم الاهتمام الاعلامي وحدة ردود الفعل التي لم تكن تتوقعها.

والمرجح ان هذا الجدل الذي اخذ شكلا حادا واغضب بعض المسلمين بسبب شطط البعض في انتقاداته والحديث عن الارهاب الاسلامي سيمر بعد ان يستنفد نفسه، وان كان المرجح اكثر ان يتكرر مستقبلا بشكل أو آخر في قضايا عديدة فكما يبدو ان إحدى سمات القرن الواحد والعشرين هي الاحتكاكات المتغطية بالاديان وهناك اكثر من سبب لذلك، فهناك جاليات اسلامية تشكل اقليات كبيرة الان في بلدان اوروبية، وبعض قطاعات منها لم تندمج في مجتمعاتها او هناك مشاكل في استيعابها مع اختلاف الثقافات والممارسات، كما أن العولمة جعلت الثقافات مكشوفة للاحتكاك ببعضها، وبعض الاحتكاكات تحدث شرارات يمكن ان تشعل نيرانا.

وجزء كبير من اسباب الحدة والعصبية في تناول الرأي الذي طرحه أسقف كانتربري هو التوقيت، فالرجل القى بحجر ليحرك الماء ويثير جدلا حتى لو كان غير مقبول او ضد الاتجاه العام، وهو شيء اعتاد عليه المجتمع البريطاني الذي يتمتع بتراث طويل من الممارسة الديمقراطية واحترام حرية الفكر.

مشكلة التوقيت ان العالم كله الان في حالة عصبية اسهم في خلقها بعض اصحاب الافكار المتطرفة من المسلمين الذين يطلقون التصريحات النارية ويحتلون عناوين وسائل الإعلام لا لشيء إلا لأنهم مادة مثيرة، بينما الغالبية العظمى من المعتدلين لا تجد مثل هذا الحيز لا لشيء الا لأنها لا تشكل مادة للاثارة. والنتيجة انه اصبحت هناك فكرة نمطية تترسخ تدريجيا في الاعلام الغربي للشخصية الاسلامية تربطها بالتطرف والعنف وقهر النساء في حين ان الواقع خلاف ذلك.

كما ان الواقع يقول انه حتى الدول الاسلامية تختلف في قوانينها وانظمتها في طرق وفهم كيفية استيعاب الشريعة في قوانينها المدنية، وان كانت القاعدة العامة السارية هي ان قانون الدولة يسري على الجميع على ارضها، وهو فهم له تاريخ طويل من الممارسة منذ الدولة الاسلامية الاولى.

وجوهر المسألة في الجدل هو مسألة الاستيعاب والاندماج، وهي مشكلة للمجتمع بتوافقاته العامة، وبجاليته المسلمة، ومعظم المسلمين ليست لديهم مشكلة في الالتزام بالقانون العام الساري على الجميع ولا يريدون قوانين خاصة بهم، لأن خطورة القوانين الخاصة انه طريق يفتح الباب لتقسيم المجتمع واستغلالها من قبل البعض لترسيخ العزلة والانفصال والتوترات بدلا من التسامح والتعايش والاندماج.