أكثر من كرة قدم!

TT

لماذا كل هذا الفرح العارم الذي سيطر على الشارع العربي بفوز المنتخب المصري لكرة القدم بكأس بطولة أمم افريقيا؟ لماذا كان يوم الأحد الماضي عرسا عربيا، لا مصريا فحسب، انحاز فيه الشارع العربي بشكل ملحوظ لأبناء «المعلم» حسن شحاته في غانا؟ هل هو الولع العربي بكرة القدم، أم أنه الحس العروبي؟

انجاز المنتخب المصري يستحق الفرحة، والإشادة، على كل المستويات.

لكن الى جانب ذلك، قناعتي أن الشارع العربي يبحث عن الفرح، والانتصار، حتى لو في رقعة شطرنج! هذه ليست مبالغة، هذا ما نلمسه من الناس. عندما تتابع الإعلام العربي، يوميا، وتقرأ أن فريقا رياضيا عراقيا سمم بقطعة كعكة. وعندما تقرأ وتشاهد خبرا عن استغلال سيدتين مريضتين عقليا في عملية انتحارية في بغداد.

وعندما ترى أن الحال العراقي قد تردّى بشكل تجاوز القاع بكثير، حيث تفخخ الحيوانات، والنعوش، والعقول، وتستهدف دور العبادة، والأسواق والمدارس، والمجتمع بكل ابنائه وفئاته، ومجالس العزاء فيه.

ولا ترى من أخبار الجزائر إلا ما توقعه يد الغدر الإرهابية من قتلى وضحايا. ولا تسمع من الوطن العربي الكبير إلا التخوين والتكفير، ولا يستثنى أحد. وتأتيك الأخبار من الأراضي الفلسطينية محملة بصور الدم والدمار، من العدوان الاسرائيلي.

وهذه ليست كل الحكايا، فالأخبار والوقائع أيضا تقدم لنا يوميا مدى عبث قيادات «حماس» بالقضية الفلسطينية وأبناء الشعب الفلسطيني، ولا يقف العبث هناك بل يستمر إلى الحدود المصرية، وتعريض أمن مصر القومي للخطر.

وبعد كل ذلك، وما أن تغير وجهتك إلا وتأتيك أخبار لبنان، «فيه رئيس.. ما فيه رئيس». تأتيك أخبار لبنان ممزوجة بألفاظ انحدرت كثيرا. في بيروت حفلة مجنونة للتخوين، والتهديد، وقودها الناس والاقتصاد، ونذر حرب مكرورة عرفها لبنان من قبل، ومثله المواطن العربي.

وترى يوميا الجدل البيزنطي حول مسائل نخوض فيها منذ أعوام، وما زلنا ندور في فلكها بمجتمعاتنا العربية، تحت مسميات مختلفة، من قضايا المرأة، والتعليم، والتوظيف، والحجاب، والحلال والحرام، وكأننا خلقنا اليوم، ولسنا امتدادا لإرث تاريخي كبير، وثقافة أحدثت أثرا في العالم الذي نعيشه.

بعد كل ذلك، ماذا عسى الناس أن تفعل؟ بالطبع سيبحثون، ولو بشمعة، عن لحظة فرح، وسعادة يعيشونها، ولو لحظات، من طرابلس وحتى المنامة، ومن سلطنة عمان حتى السعودية، وإن كان المحتفى به مصرياً، والمدرب مصرياً، والبطولة ستكتب باسم مصر.

تستحق مصر، بلا شك، فالنجاح كبير، وبسواعد وطنية، وعلى أعتى محترفي أوروبا، لكن الفرحة العربية تقول إن الفرح كان أكثر من كرة قدم. الناس في العالم العربي تبحث عن السعادة، ولو في غانا. هذه هي الرسالة، ولسان حالهم يقول قاتل الله الإحباط.

[email protected]