غزة تقصف ورام الله تعاقب!

TT

إن من أغرب المواقف التي نراها موقف إسرائيل الذي أعلن لا مفاوضات على انسحابات إسرائيلية وقيام دولة فلسطينية طالما استمر قصفها بصواريخ من غزة. فكيف تعاقب السلطة الفلسطينية التي هي على خلاف حاد مع حماس منذ أن انقلبت عليها واستولت على قطاع غزة؟

والذي يفترض أن يلام على موقفه هو الجانب الأميركي، لا حماس أو إسرائيل، لأنه لم يحرك ساكنا حيال تعجل تل أبيب ايقاف التفاوض. فواشنطن تعلم أن الرافضين للتفاوض من الإسرائيليين والفلسطينيين سيفعلون كل ما بوسعهم لتخريب المفاوضات كما فعلت حماس في آخر أيام الرئيس بيل كلينتون، ونجحت في ذلك أخيرا. وإذا كانت واشنطن تريد الحل بأقل قدر من الإشكالات فإن الأفضل إذاً أن تفتح الباب أمام سورية أيضا للتفاوض على جولانها المحتل. فمنع المفاوضات على المسار السوري عمليا سينجم عنه تحريض حماس لتخريب التفاوض على المسار الفلسطيني.

الجميع يدرك، بمن فيهم الرافضون من الفلسطينيين، بأن التفاوض خيار لا فكاك منه لمستقبل المنطقة حتى يستنفد هذا الخيار. ولأن الحل السلمي للنزاع هو المهمة الكبيرة الأخيرة للرئيس الأميركي جورج بوش، كما قال، والذي تعهد بإيصال المفاوضين الى حل في نهاية فترة رئاسته، فإن الأمر يستحق أكثر من مجرد تصريحات مثلجة لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. ها هي إسرائيل تستجيب سريعا لمطالب حماس بطريقة توحي بأنها تشاركهم الرأي نفسه.

ولا بد من تذكير الجانب الأميركي بأنه مسؤول عن الضغط على إسرائيل من أجل تنفيذ الوعد بالتفاوض، ولا يعقل أن ينحرف المشروع عن مساره فقط لأن حماس قررت تخريبه. بل إن ما تواجهه حكومة إيهود أولمرت لا شيء يستحق الشكوى منه مقارنة بما واجهته حكومة باراك أو رابين من قبل، حيث كانت العمليات الانتحارية قد أردت الكثيرين من القتلى في كبرى المدن الإسرائيلية. اليوم عمليات حماس محدودة جدا، عملية انتحارية واحدة فقط في سنة كاملة، ومائتا صاروخ أوقعت بضعة جرحى، فهل يعقل أن يكون ذلك كافيا لأن تتعجل إسرائيل للقول إن الهجمات ألغت دواعي المفاوضات؟

وقد لخصته وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني التي قالت بصراحة إنه لا أمل في قيام دولة فلسطينية بسبب صواريخ غزة، بما يوحي أنها هي الأخرى تريد تعطيل المفاوضات تحت أي ذريعة، وإلا كيف تعاقب رام الله، أي السلطة الفلسطينية، على أفعال حماس؟ وفي نفس الوقت يعلن رئيس الوزراء أولمرت متباهيا بأن صواريخ حماس الأخيرة جرحت طفلا في سديروت لكن قواته قضت على مائتي مقاتل من غزة، كما يقول!

الواضح الآن أن الحكومة الإسرائيلية لا تريد مفاوضات قيام الدولة الفلسطينية لأنها تعرف جيدا أن العالم يراقبها، ولن تستطيع رفض طلب الرئيس بوش بالتفاوض المبني على دولتين، وقد وجدت في أزمة بلدة سديروت فرصة سانحة للتخلي عن المفاوضات في انتظار ما ستفسر عنه السنين المقبلة.

[email protected]