أريد أن أنام

TT

جمعتني به الصدف، ثم المعرفة، ثم الإعجاب المتبادل.

إعجابي به كان يتركز بالدرجة الأولى على وضعه المالي المتصاعد، وعلى حسه التجاري الذي لا تخطئه العين، وطبعاً على كرمه الزائد عن الحد ـ خصوصاً في الهزيع الأخير من الليل، عندما يكون هو في أحسن حالاته ـ .

أما إعجابه بي فهذا هو اللغز الذي لم أجد له تفسيراً حتى الآن، لكنني اشهد بالله أنني وجدت منه كل حفاوة، وقد استغللت بدوري تلك الحفاوة أفضل استغلال، بل إنني استثمرتها أروع استثمار.

(أفا) عليكم، هل أنا مجنون حتى أضيع الفرصة؟!.

المهم قرر رجل الأعمال الطيب الكريم أن يسافر في رحلة عمل واستجمام إلى بلد جميل ورغيد، وطلب مني أن أسافر معه على طائرته الخاصة، لكنني (سقت الدلال) قليلاً، وتعذرت بأعذار كلها كاذبة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على براعتي ومعرفتي بـ (من أين تؤكل الكتف)، لأنه من الغباء أن (يدلق) الإنسان نفسه دفعة واحدة، فمبدئي الذي تعلمته من صغري هو: أن أفضل طريقة لأكل اللوز (حبّة حبّة).

وبعد أخذ ورد، وشد وجذب، وافق على بقائي مؤقتاً، لكنه استحلفني بالله أن ألحق به على وجه السرعة، ووعدته خيراً، وفي كل يوم كان يتصل بي ما لا يقل عن ثلاث أو أربع مرات، وزيادة منه في إغرائي كان يسمعني بالتلفون أحلى الأصوات التي تهتف باسمي إلى درجة أنني تخيلت نفسي الرئيس (شافيز).

وأخيراً تعطفت وتلطفت وسافرت على حسابه الخاص (فرست كلاس)، وبعد أن قطعت سبع ساعات ونصف الساعة، حطت الطائرة الميمونة في المطار، وكان هناك استقبال حافل من موظف يأخذ جواز السفر، إلى آخر يدفع عربية الشنط، إلى (شوفير) يفتح لي باب السيارة، إلى سكرتيرة حسناء تجلس بجانبي تريد أن تسجل كل طلباتي.. الواقع أنني تفاجأت، وبعدها (انتفخت)، فعلاً انتفخت، بل كدت انفجر.

وعندما سألتني البنت الدلوعة التي كانت تجلس بجانبي، سألتني وهي تمضغ (العلكة) قائلة: هل تريد أن تذهب أولاً إلى (السويت) في الاوتيل لترتاح قليلاً، أم تذهب رأساً إلى الشيخ في قصره لتكمل السهرة هناك؟!، قلت لها: أرجوك أريد الذهاب إلى الاوتيل لأنه مر عليّ 24 ساعة كاملة لم أذق فيها النوم، وسلمي على الشيخ (والصباح رباح) يا بعد عمري، فهزت رأسها موافقة، ثم فرقعت بضحكة وكأنني قلت نكتة.

صعدت إلى (الجناح) يرافقني (التبلر) الذي يريد أن يسهر على راحتي، لكنني صرفته، وأول ما دخلت شلحت كل شيء ألبسه، حتى (جزمتي) شلحتها، ورأساً اتجهت إلى (البانيو) أريد أن آخذ حماماً دافئاً، وصعقت عندما وجدت أن الحمام كله (الكتروني)، كله أزرار ومؤشرات لا تعرف لها أول من آخر، وأخذت اضغط فينجر (السيفون) من هناك، ثم اضغط فينزل عليّ الدش بماء بارد، واضغط مرة ثانية فيتحول الماء إلى ساخن يكاد يسلخ جلدي، فقفزت خارجاً من البانيو فزلقت بالرخام الأملس وكاد ينكسر ظهري، فلففت جسمي بروب الحمام وقلت لنفسي (الفكة من جحا غنيمة)، وانطرحت على السرير وأردت أن أطفئ الأنوار، وإذا بالمصيبة أعظم، فكلها (الكترونيات في الكترونيات)، أريد أن أطفئ الأنوار فيرتفع صوت الموسيقى، أريد أن أطفئ الموسيقى فيتماوج السرير معتقداً أنني أريد (مساجاً)، أخذت اضغط كالمجنون على كل الازرار أريد فقط أن أطفئ الأنوار وأهدأ وأنام، ولكن (عينكم ما تشوف إلاّ النور)، الستائر تفتح وتغلق، والتلفزيون على كل المحطات، والموسيقى بدلاً من أن تصمت تتحول إلى غناء (اوبرالي) يصم الآذان، وبعد أن يئست (وغلب حماري) ما كان مني إلاّ أن ابحث عن المنطقة التي تتجمع فيها كل تلك الأسلاك (الشيطانية) فجذبتها بكل ما أعطاني الله من قوة، وفعلاً انطفأت الأنوار وسكتت الأصوات، ولكن ما هي إلاّ لحظة، وإذا بجرس الإنذار يضرب، وما هي إلاّ لحظات وإذا (بالسكيورتي) يفتحون عليّ الباب بدون استئذان يسألونني عن الخبر، والحمد لله إنني كنت وقتها لابساً الروب (ومتستر)، فقلت لهم بكل خجل: أبداً أريد أن أنام، ولولا الحياء لقلت لهم (أبوس أياديكم).

[email protected]