المطلوب أن يغني مثله تماماً وإلا..

TT

استمعت أكثر من عشرين ساعة لأغنيات عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفايزة أحمد ومن تلحين محمد عبد الوهاب..

ثم استمعت إلى نفس الأغنيات بأصوات أخرى. الفرق هو أن هؤلاء الكبار ملتزمون تماماً باللحن الذي وضعه وغناه عبد الوهاب. وإذا حاول أحد أن يخرج قليلا عن اللحن أو عن الأداء، لا بد أن يكون بموافقة عبد الوهاب..

وقد سمعت عبد الوهاب عند تحفيظه لأم كلثوم وعبد الحليم وفايزة. أحياناً تتصرف أم كلثوم فيقول لها عبد الوهاب: الله يا ثومة كده أجمل. ثاني يا ثومة.. أو يقول: لا يا حليم مش كده.. آه.. الله أيوه كده.. كمان يا حليم.. أو كمان مرة يا فايزة.. الله كمان مرة.. لا بلاش كده!

وكان عبد الوهاب حريصاً جداً على ألا يغضب أم كلثوم إذا حاولت أن تغير في الأداء أو في (القفلة). وهو متشدد جداً في ألحانه يريدها أن تكون تماما كما وضعها..

ولكن الأصوات الصغيرة التي سمعتها تغني لعبد الوهاب لا تستطيع وتحاول أن تتصرف. أما أن تتصرف فليس من حقها، ولا قدرة لها على ذلك.. والمطلوب أن يؤديها بالضبط كما أرادها عبد الوهاب ويكون التصرف فيها عجزاً عن أدائها.. أي العجز عن الانضباط والالتزام..

وقد شاركت في جلسات اختيار واختبار الأصوات. ووجدت أن الصغار أكثر رغبة في الإفلات من أصول الأداء. وليست هذه حرية، وإنما هو انفلات وتسيب غنائي!

مثلاً أغنية: انت عمري.. تغنى بها محمد عبد الوهاب بصوته على شريط.. والمطلوب من أم كلثوم أن تسمعها وأن ترددها تماماً كما أراد عبد الوهاب.. ثم سمعت عبد الوهاب وهو يغنيها لأم كلثوم.. ثم سمعتهما معاً. ثم سمعت أم كلثوم وحدها.. الله.. الله.. الله على صوت عبد الوهاب.. الله أكبر على صوتهما معاً.. والله على صوت الست وحدها.. فإذا شاءت أم كلثوم أن تضيف ما تراه أجمل أو أيسر لصوتها وأدائها.. فلا بد أن يكون أمام عبد الوهاب وبموافقة منه. وكانت تحاول ويصفق لها ويطلب منها المزيد، فهي أيضاً قادرة على الأداء والإضافة. والملحن أكثر حرية من المطرب. فالمطربة تواجه الجماهير وتستجيب لمطالبها.. فهي أيضاً على دراية كاملة بما يعجب ويطرب.. ولكن في حدود ضيقة. وهذه قدرة وبراعة واقتدار..

أما الصغار فليسوا كذلك. ولذلك كنا نرفض الصوت الذي يخرج على النص.. عن الأصل.. ونرى في ذلك ضعفاً وانفلاتاً وعجزاً. ومع ذلك فقد وجدت متعة عامرة في الاستماع طوال هذه الساعات!