من يتعجلون الموت

TT

لو كانت الصحافة موجودة في زمن السلف الصالح لقالوا صحافي في الجنة وعشرة في النار، وواحد يقودهم في المقدمة هو خالد القشطيني. لا أول ولا آخر لافتراءات الصحافة في كل مكان، حتى اصبح الناس عندما يسمعون حكاية لا يصدقها العقل يقولون «هذا حكي جرايد». وهو بالضبط ما قلته عن تصريحات الرئيس الأميركي جورج بوش عن إحلال السلام في الشرق الاوسط. حكي جرايد. تقدم أحد أصحابي قبل سنوات لنيل شهادة دكتوراه من جامعة لندن في موضوع عروبة البحرين. سأله البروفسور المشرف عن مصادره. فأخرج له كيسا مليئا بالقصاصات الصحافية. ما كان من البروفسور غير ان اعتذر عن قبوله تلميذا عنده.

بالطبع يعود الكثير من أخطاء الصحف الى ضغوط العمل الصحافي. الباحثون يعملون بدون جدول زمني، ولكن الصحافي مقيد بإنجاز الصفحة في الساعة كذا. وهو ما لا يترك مجالا للتأكد من كل شيء فيقع بما يقع فيه من المطبات. المزعج في هذه المطبات الصحافية ان الكثير منها يمس حياة الناس، او بالأحرى موتهم. وقعت بمثلها قبل سنوات عندما أشرت إلى أستاذنا الأديب احمد السقاف فقلت «رحمه الله». ثم وصلنا تصحيح بأن الأستاذ السقاف ما زال حيا بيننا. سارعنا لنشر التصحيح. لو كنت مسؤولا عنه لقلت، كنت أقصد ان الله رحم به وبنا وأبقاه بيننا لنستنير بالمزيد من معارفه وطرائفه.

لا أدري لماذا يتعجل الصحافيون بموت الناس. كنت أفهم تعجلهم بموت بعضهم البعض، ولكن لماذا يعتدون على حياة الآخرين؟ وقعت بمثل ذلك احدى الصحف الاميركية عندما نشرت خبر وفاة فكتور هوغو، ثم تبين انه كان حيا وبقي حيا لعشر سنوات. وعندما مات بالفعل كتبت الجريدة تعتز بسبقها الصحافي في نشر الخبر قبل عشر سنوات!

وهو ما لم تستطع ان تدعيه صحيفة انجليزية نشرت خطأ خبر موت الروائي الانجليزي كيبلنغ فكتب اليها يقول طالما ذكرتم خبر موتي فالمفروض والمطلوب هو ان تشطبوا اسمي الآن من قوائم المشتركين في جريدتكم.

صحيفة «التايمس» من الصحف الدقيقة في موضوع الموت والحياة. لا أتذكر انها وقعت بمثل هذا الخطأ. ولهذا اعتاد احد اللوردات الانجليز حالما يستفيق صباحا ان يفتح الجريدة على عمود الوفيات أولا. وبعد ان يتأكد من عدم وجود اسمه ينهض من الفراش ويباشر بعمله اليومي.

طرائف الموت الصحافية كثيرة. ولكنني وجدت من أظرفها ما وقعت فيه إحدى الصحف العربية قبل اعوام. ورد خبر وفاة إحدى الشخصيات، ولكن الخبر وصل المحرر في ساعة متأخرة وبعد أن تم إعداد الصحيفة للطبع، حول الخبر الى قسم الصف عسى ان يجدوا مكانا له؛ وشرح عليه بعبارة «إن بقي له مكان».

ظهر الخبر في اليوم التالي بهذا النص: «توفي الفاضل... وأسكنه الله فسيح جنته إن بقي له مكان».