فرحة !

TT

قد يكون تحصيل حاصل الآن أن نقول إن الجماهير العربية تابعت بشغف واهتمام غير عادي مسيرة المنتخب المصري لكرة القدم في بطولة كأس الأمم الأفريقية، التي اختتمت مؤخرا في غانا وتوج بلقبها. كانت هذه «المتابعة» هي نتاج الرغبة الجارفة في التعلق ببصيص الأمل وضوء يعيد البسمة على شفاه كانت حزينة لسنوات طويلة بسبب كآبة ما يحيط بها من إرهاب وحروب وفقر.

لقد عاش العرب فاصلا صغيرا من «صناعة الفرحة» وشاهدوا أن الفرحة من الممكن أن تأتي من عمل جماعي بسيط يفوق العشرات من الشعارات الجوفاء التي يتم توزيعها ذات اليمين وذات الشمال.

اتصل بي صديق من مصر وهو لا يكاد يصدق ما رآه من أداء وروح وتصميم وعزيمة من منتخب بلاده بقيادة مدربهم الوطني حسن شحاتة، وقال لي: «أنا متأكد أن حسن شحاتة هو رئيس وزراء مصر القادم وأنه سيستطيع التعاطي مع الغلاء والتضخم والعشوائيات وأزمة المرور والإسكان والعنوسة والهجرة غير الشرعية وفوضى الفتاوى وحمو النيل والتصاق الساقين!». قلت له: ألا تعتقد أنك تبالغ قليلا يا عزيزي؟ قال: «نعم إنني أبالغ ولكن العمل الجماعي الذي رأيناه من المنتخب لم نعهده منذ أن أتم الفراعنة بناء الهرم الثاني». بات شحاتة في أذهان الناس قادرا على حل المشاكل وتذليل الصعاب بدون أي شك، وهو إحسان ظن لعمري كبير، وما يعيشه المصريون هذه الأيام، شاهده السعوديون حين إحرازهم للقب الآسيوي الأول بقيادة مدربهم الوطني خليل الزياني، الذي تحول لأسطورة في بلاده، وكذلك رأى التونسيون أثر هذه المسألة خلال مشاركة فريقهم المبهرة في كأس العالم بالأرجنتين عام 1978 بقيادة مدربهم القدير عبد المجيد الشتالي.

الناس في حالة نهم شديد للتعلق بأمل، عطشى للخبر السعيد وسط كوم لا ينتهي من الأخبار السوداوية البائسة. قيل قديما إن جمال عبد الناصر كان يفطر شعبه «فولا» ويغذيه «كرة قدم» ويعشيه «أم كلثوم»، وهذا يبدو صحيحا، إذ أن الرياضة وكرة القدم كانتا وسيلة لإلهاء الناس وإشغالهم وامتصاص طاقاتهم، وجربت الأنظمة الثورية هذا الأمر في أمريكا الجنوبية وأفريقيا بنجاح ملحوظ، ولكن اليوم كرة القدم تحولت الى صناعة اقتصادية وحضارية متكاملة، وباتت مرآة تعكس حضارة الشعوب وجديتها في التعاطي مع المنافسات العالمية، لا فرق بينها وبين عناصر الإنتاج الأخرى وهي ولا ريب إحدى وسائل تطوير جاهزية الأمم ذهنيا وبدنيا لدخول المعترك الدولي وتطوير الذات.

ولكن تبقى لحظة الفرحة التي عاشها العرب في الأيام الأخيرة هي هكذا لحظة فرحة أتت بعد طول غياب، وسيبقى الناس يراقبون وينتظرون «بركات» حسن شحاتة أو غيره ليوقظ الأمل في كل فترة انقطاع . وكل فرحة وأنتم بخير.

[email protected]