إلى أكراد العراق: كونوا واقعيين

TT

يبدو أن أكراد العراق يتدخلون، وعلى نحو متزايد، في الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية سياسية بين المجموعات الطائفية العراقية الرئيسية. وبما ان مستقبل العراق يتوقف على تأسيس روح التسوية هذه، فإن هذا التوجه ينذر بعواقب سيئة على العراق وجيرانه وعلى الولايات المتحدة.

ثمة قضيتان بارزتان، الأولى تتلخص في ان الأكراد بدأوا في تطوير حقول نفط داخل حدودهم بمساعدة مستثمرين أجانب ولكن من دون دور لبغداد، بزعم ان ذلك منصوص عليه في دستور العراق لعام 2005. إلا أن مواد الدستور العراقي (المادة 109-112، إلى جانب مواد أخرى) تنص على ان آبار النفط في العراق سيجري تطويرها مستقبلا بواسطة المحافظات والأقاليم العراقية بمشاركة الحكومة المركزية.

ثانيا، يريد الأكراد السيطرة مجددا على مدينة كركوك وآبار النفط الموجودة في المنطقة وحولها، والتي تقدر بحوالي 15 في المائة من جملة احتياطي النفط العراقي. ويقول الأكراد ان كثيرا من الأبنية في المدينة قد انتزعت خلال برنامج «تعريب» المنطقة خلال فترة حكم صدام حسين، ويريد الأكراد استعادة منازلهم. وبصورة عامة يسعى الأكراد إلى السيطرة على السياسة في كركوك والمناطق حولها، بما في ذلك آبار النفط الموجودة في منطقة كردستان العراق (التي يأمل الأكراد في ان تصبح في نهاية الأمر مستقلة). وبسبب هذه الطموحات، بات من الصعب إجراء استفتاء حول مستقبل كركوك، وهو الاستفتاء الذي كان من المقرر إجراؤه نهاية العام الماضي.

هناك خطأ كبير من جانب الأكراد. يجب عليهم ان يفكروا ثانية في طريقة تعاملهم مع هذه القضايا من باب الإنصاف للولايات المتحدة، التي وفرت لهم فرصة للمساعدة في بناء عراق ما بعد صدام حسين، وأيضا من باب الحرص على مصلحة الأكراد وجيرانهم. بغداد في حاجة إلى لعب دور في تطوير حقول النفط واقتسام العائدات. كركوك في حاجة إلى البقاء ضمن النظام السياسي العراقي، أو ربما الحصول على وضع خاص.

يبدو ان الأكراد يعتقدون ان العراق إذا فشل فإنهم لن يتأثروا، إلا ان ذلك أمر غير مؤكد. ثمة اعتقاد على أساس هذه النظرية يتلخص في ان العراق حتى إذا تعرض للتقسيم فإن واشنطن ستقف إلى جانب أصدقائها الأكراد وتؤسس قواعد عسكرية في كردستان العراق وفي نهاية المطاف تسهل لهم الطريق لنيل استقلالهم. كما ان عددا من الشخصيات الاميركية البارزة تؤيد من وقت لآخر هذا الحلم الكردي، ويزداد الأكراد نتيجة لذلك قناعة بأن هذا الحلم سيصبح حقيقة.

نشك في حدوث ذلك. إذ ان كردستان منطقة جبلية ومحصورة داخل الشرق الأوسط الكبير. جيرانها تركيا وسورية والعراق وإيران. اثنان من هؤلاء يعادون واشنطن وجمعيهم لهم قضايا تجاه أكراد العراق، وليس من بينهم من هو على استعداد لتحمل الطيران العسكري الاميركي الذي سيكون ضروريا لاستمرار وجود القواعد العسكرية الاميركية في حال تفكك العراق. كما ان هذه الدول لن تسمح للأكراد بتصدير نفطهم عبر أراضيها وموانئها.

لماذا تحتاج الولايات المتحدة إلى قواعد عسكرية في كردستان؟ فإذا دخلت في حرب ضد إيران، فإن هناك دولا كثيرة في وضع أفضل بحكم موقعها جوار الممرات المائية الدولية والمجال الجوي. هذه الدول ربما لا تكون موالية لواشنطن مثل الأكراد، ولكن إذا ازداد الخطر الذي تشكله إيران فإن بعضها سيتخذ موقفا إزاء واشنطن.

من المؤكد ان الاميركيين يكنون إعجابا إزاء ديمقراطية وازدهار واستقرار الأكراد، فضلا عن شعور أميركا بدَين أخلاقي تجاه الأكراد بعد ان سمحت لصدام حسين بقمعهم عدة مرات في السابق. ولكن بعد حماية الأكراد عام 1991 وإنفاق مئات الملايين من الدولارات وآلاف الأرواح في العراق على مدى السنوات الخمس الماضية، فإن جزءا من هذا الدَين الأخلاقي قد سدد. إذا لم يساعد الأكراد واشنطن الآن على بسط الأمن في العراق، ترى هل سيكون هناك شعور بوجود هدف مشترك ومصالح مشتركة بين الشعبين؟

بدلا عن اتباع أجندتهم الحالية في كركوك والحلم بالاستقلال، يجب على الأكراد الاحتكام إلى الواقع. وهذا يعني على وجه التحديد إدراك حقيقة ان العراق إذا تعرض للتفكك فإنهم سيكونون لوحدهم. كما يجب أيضا إدراك ان تركيا، بمواطنيها الأكراد الذين يقدر عددهم بحوالي 15 مليون نسمة، تشعر بالتوتر تجاه الاستقلال الكردي. ولكن يجب ان يدرك أكراد العراق أيضا ان اندلاع حرب تركية ـ كردية ليس أمرا حتميا. بل ان من الممكن ان يؤدي التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري تحت ظل قيادة حكيمة في كل من أنقرة وأربيل إلى صداقة حقيقية بين الجانبين. وتركيا على العموم البلد الأكثر ديمقراطية وعلمانية وتأييدا للغرب من بين جيران العراق، وهذه سمات مشتركة بين الأكراد وتركيا.

* مايكل اوهانلون زميل بمعهد بروكينغز، وعمر تسبينار زميل غير مقيم بذات المعهد وأستاذ بالكلية الحربية الوطنية.

خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)