العراق: حان وقت اتخاذ القرار

TT

في كل مرة يجد السياسيون العراقيون الخناق وقد ضاق عليهم يبدأون في الاعتراف بالواقع ويتعاونون مع بعضهم بعضا. غير أنه عندما يرخى الحبل يستأنفون معاركهم وحزازاتهم الشخصية الصغيرة. ويبدو ان هذا الوضع يفعل فعله في الاتجاهين في الوقت الحالي.

فمن ناحية لا شك ان الحبل يرخى على الأقل لأن «القاعدة» قد تحطمت تقريبا كمنظمة فعالة في العراق، بينما يتقلص التمرد الأوسع ويذوي في الذاكرة. ومن المؤكد أن «القاعدة» ما تزال قادرة على كسب عدد قليل من الأطفال او النساء المختلات عقليا واستخدامهم كقنابل بشرية. كما أنها ما تزال قادرة على زرع قنابل هنا وهناك بهدف القتل العشوائي. ولكنها لم تعد تطور استراتيجية متماسكة حتى في المحافظات الأربع التي كانت قد بنت فيها قاعدة دعم. غير انه وبينما يرخى حبل، هناك حبل آخر بدأ يضيق. وهذا الحبل يمثل عامل الزمن في الوجود العسكري لقوات التحالف في العراق التي تقودها الولايات المتحدة. ويعرف من يتابعون الأوضاع في العراق أن الحاجة لمثل هذا الوجود ستظل قائمة لعدة سنوات أخرى، وبالتأكيد على الأقل حتى الانتخابات المقبلة عام 2009. وعلى الرغم من التقدم المؤكد فإن قوات الشرطة والجيش العراقي بعيدة عن الاستعداد لمجابهة الارهاب الداخلي، واللصوص المسلحين والمليشيات والوحدات العسكرية التي يصعب اخفاؤها والتي ترسلها الجمهورية الخمينية في طهران. ويمكن أن تضاف الى كل هذا حقيقة أن الكثير من العشائر العراقية أعادت تسليح نفسها، أحيانا بدعم الولايات المتحدة، وفي سياق مختلف قد تفضل السعي الى أهدافها بالرصاص بدلا من صناديق الاقتراع. ولهذا فان الحاجة ماسة الى وجود التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الوقت الحالي على الأقل. غير أن بقاء أو عدم بقاء الأميركيين لا يعتمد فقط على السياسيين العراقيين. ويجب ان تقتنع واشنطن بأن التزامها المتواصل يصب في مصلحتها الخاصة.

وتعهد الرئيس جورج دبليو بوش بعدم مغادرة العراق قبل أن يكون مستعدا للدفاع عن نفسه. غير أنه في غضون 11 شهرا فقط لن يكون بوش في البيت الأبيض. وإذا ما حل السناتور جون ماكين، المرشح الجمهوري المتقدم حاليا، محله فإنه من المؤكد ان يتواصل الالتزام الأميركي وإنْ بطرق مختلفة عما رأيناه حتى الآن.

وقد يعني فوز السناتور هيلاري كلينتون أيضا استمرار جوانب من السياسة الأميركية الحالية. وعندما التقيت كلينتون آخر مرة أعطتني الانطباع بأنها تعتبر العراق اختبارا أساسيا للزعامة الأميركية في العالم.

غير ان المشكلة بالنسبة للزعامة العراقية هي أنه ليست هناك ضمانة بفوز ماكين أو كلينتون. وإذا كان لأحدهما أن يفوز فانه ليس من المؤكد على الإطلاق انه سيكون قادرا على إقناع مجلس شيوخ أو برلمان جديدين بالمصادقة على وجود أميركي طويل الأمد في العراق. والنجم الصاعد الحالي في السباق الرئاسي الأميركي هو السناتور باراك أوباما، الذي يركز على انه لم يقف الى جانب الحرب في العراق. ويقدم أوباما نفسه باعتباره «مرشح التغيير» ومن بين أولوياته في التغيير السياسة الأميركية في العراق. حسنا، ان هناك سبيلين لتغيير السياسة. الأول أن تعزز الولايات المتحدة تعهدها وتستخدم قوة أكبر لمساعدة اصدقائها على الفوز. أو أن تقرر ان العراق كان رهانا سيئا منذ البداية وانه كلما جرى التخلي عنه مبكرا كان ذلك افضل.

طبقا لما تبدو عليه الأمور الآن، فإن اوباما سيخرج من المعركة. فمستشاروه في مجال السياسة الخارجية، والشرق الأوسط بصورة عامة، رجالا ونساء، مصممون على تسوية حساباتهم الآيديولوجية مع جورج بوش. يتظاهر هؤلاء، من دون ان يقولوا علنا، بأن نظام صدام حسين كان «تقدمياً» وسط الأنظمة العربية الرجعية، ويشيرون أيضا إلى أن الولايات المتحدة أخطأت في تجاهلها للتطلعات «المعادية للإمبريالية» لجماهير المنطقة على مدى العقود الستة السابقة.

أشار اوباما إلى انه ربما يضرب باكستان، ربما لأنها حليف للولايات المتحدة، لكنه وعد بإجراء محادثات مع أنظمة «تقدمية» في دول مثل إيران وسوريا بدون شروط مسبقة.

ليس ثمة شك في أن الأشياء ليست بالسهولة التي يتخيل أو يتظاهر بها اوباما. استراتيجيات القوى الكبرى لا يتم تحديدها أو إلغاؤها تبعا لرغبات مجموعة جديدة من صناع السياسة في واشنطن. مع ذلك، من المحتمل ان تتسبب إدارة اوباما، اذا اتبعت بعضا من نفس الأوهام التي قادت جيمي كارتر إلى كارثة في الشرق الأوسط قبل ثلاثة عقود، في الكثير من الأضرار، قبل ان يصحو الاميركيون على واقع المصالح الوطنية الاميركية. فأوهام كارتر في ذلك الوقت ساعدت على حدوث انقلاب عسكري أصولي في باكستان، واستولى الخمينيون في ذلك الوقت على السلطة في إيران، واحتل الاتحاد السوفياتي أفغانستان. كل الذين يرغبون في إعادة صياغة الشرق الأوسط مقابل المصالح الاميركية من المحتمل أن تشجعهم أوهام اوباما على ان وقتهم قد حان، ومن الممكن ان يعني ذلك ظهور مشكلة جديدة للعراق الجديد. الحجة التي يستخدمها الديمقراطيون من أنصار اوباما لدعم الانسحاب من العراق هي ان القيادة العراقية الجديدة غير قادرة على حل خلافاتها وتوحيد البلاد، وانه لا يوجد سبب لوقوف الولايات المتحدة الى جانب فصيل ضد آخر في ما يبدو كأنه حرب مستمرة أو حرب أهلية واردة الوقوع على الأقل. كل من له إلمام بالواقع الحالي في العراق يدرك للوهلة الأولى عقم هذه الحجة. فالعراق ليس في حالة حرب أهلية ولا هو مقبل عليها. حتى إذا غادر الاميركيون يظل الخطر هو عودة إرهاب «القاعدة» والتدخل العسكري الإيراني المستتر وليس حربا أهلية عراقية. ولأن التصور في السياسة كثيرا ما يكون أكثر أهمية من الواقع، فإنه من السهل على مؤيدي انسحاب الولايات المتحدة من العراق وضع بقايا مشتعلة لسيارة مفخخة في بغداد على شاشات التلفزيون وتقديم بعض المتحدثين للحديث عن الحرب الأهلية العراقية، مثلما فعلوا على مدى السنوات الخمس الماضية. يجب أن تأمل القيادة العراقية في حدوث الأفضل، لكنها يجب أيضا ان تكون مستعدة للأسوأ. الأفضل من المحتمل ان يكون التزاما على فترة طويلة من جانب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة حتى الانتخابات العراقية العامة المقبلة على الأقل، وتشكيل حكومة جديدة على أساسها. هذا يعني بقاءها حتى ربيع عام 2010 . أما الأسوأ، فهو انسحاب اميركي متعجل يجعل من الانتخابات العراقية المقبلة أمرا مستحيلا. وللاستعداد لذلك فإن على العراقيين تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة ذات قاعدة شعبية عريضة وعناصر جديدة وبرنامج تجمع عليه مختلف الأطراف.

عندما أطيح صدام حسين عام 2003 سارع العراقيون المعارضون في المنفى بالعودة إلى العراق وشكلوا العمود الفقري لنخبة القيادة الجديدة. إلا ان قيادات جديدة ظهرت خلال السنوات الخمس الماضية، خصوصا على المستويين المتوسط والأدنى في المجال السياسي على الصعيدين الوطني والمحلي. هؤلاء يجب ان يمنحوا فرصة للتعبير عن آرائهم في الحكومة الجديدة.

من المهم أيضا إجراء انتخابات بلدية من دون تأخير، على ان يسمح للحكومة المحلية ان تحل محل حكم الميليشيات والعشائر.

أخيرا، العراق في حاجة إلى التوقيع على معاهدات جديدة مع الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين للتأكيد على التزاماتهم على مدى السنوات الثلاث المقبلة. إذا فعل العراقيون ما يفترض أن يفعلوه، فمن المحتمل ان تثبت ايجابية مستقبل رئاسة اوباما، حتى إذا لم تصبح واقعا.