لا مجزرة ولا زعران

TT

هذا لبنان. لا بلد غيره له ما له. وفيه ما فيه. في يوم واحد يحتفل بشهيدين. رفيق الحريري في «ساحة الشهداء»، وعماد مغنية في «مسجد سيد الشهداء». وما بين شيخ شهداء السنة وشيخ شهداء الشيعة، صف طويل من المسيحيين والمسلمين، الذين لم يعد يسمح طول اللائحة بتعدادهم، عسكرا ومدنيين، مستهدفين ومصادفين، معنيين ومارة عائدين إلى بيوتهم أو خارجين منها، بالسيارات أو بالباصات او مشياً لا يملكون سيارة ولا اجرة باص.

هذا لبنان، وطن الشهادات الكبرى والجنازات الكبرى وساحات العزاء الكبرى. وهو وحده بلا عزاء. هو لبنان، في نهاية المطاف، سيد شهداء لبنان. الجندي المجهول والمقاوم المجهول. والضحية الكبرى. لا مشهد في أي مكان من العالم مثل هذا المشهد: الألوف ينزلون تحت المطر لتذكر رفيق الحريري والالوف ينزلون تحت المطر نفسه لوداع عماد مغنية. الأول، كانت صوره في كل مكان. رجل في الضوء لم يعرف مثل اضوائه لبنان عبر تاريخه. ورجل في الظل، لم تر الناس صورة له إلا بعد مقتله في اكثر مدن العالم أمنا سياسيا. عندما اغتالت اسرائيل عام 1973، كمال ناصر وابو يوسف النجار وكمال عدوان في بيروت، اهتز لبنان واهتز العرب واهتز العالم. وأخذ على بيروت انها مدينة مفتوحة وعاصمة رخوة. وطولبت الحكومة بالاستقالة وقائد الجيش بالعزل. لكن دمشق مدينة محصنة ومجتمع متكافل وأمن شبه مطلق. والحدث ليس عادياً. وقد وقع في يوم تخرج الناس في بيروت بالآلاف ضد سورية. وفي وقت كان يمكن لأي عود ثقاب او عقب سيجارة أن يشعل بيروت. فقد توعد العماد ميشال عون النازلين الى التظاهرة بالمجزرة مرتين. وما ارتدعوا. والعام الماضي كان العماد اميل لحود هو الذي وجه التحذير قائلا: «ماذا يمنع الزعران غدا من ان يرموا قنبلة او قنبلتين». وقد امتنع الزعران عن ذلك، مشكورين. ولم تقع المجزرة التي وعد بها العماد عون، بل قام مهرجان هائل يطالب بالعماد ميشال سليمان رئيساً.

هذه سوريالية لبنان. قائدان سابقان للجيش يحاولان عرقلة وصول القائد الثالث. اميل لحود كان قائد الجيش الذي طرد ميشال عون من قصر بعبدا بالمؤازرة مع الطيران السوري. والآن يتآزر عون ولحود مع الرغبة السورية ضد العماد ميشال سليمان. ولا بد ان الثلاثة جلسوا امام التلفزيونات وتفرجوا، كل من زاويته، على المشهد اللبناني، اكثر من مليون متظاهر تحت المطر يملأون وسط بيروت، من دون ازعر او جزار يخترق صفوفهم.