ولكنها خرافات نافعة!

TT

الفيلسوف الألماني فانجر له رأي، هو أن في حياتنا أشياء تكاد تكون خرافية ولكنها نافعة، فلماذا لا نبقي عليها؟ مثلا: زيارة الأضرحة والإيمان بأن هذه الزيارة ترفع المعنويات وتحقق الشفاء.

وأنا أصدقه.. ففي مصر ملايين يزورون ضريح سيدنا الحسين.. ونحن نعلم علم اليقين أن سيدنا الحسين لم يحضر إلى مصر: لا رأسه ولا لحيته وإنما هو دفن في دمشق. وحتى لو كان قد دفن في مصر فإنه مثلنا لا يضر ولا ينفع، والله سبحانه وتعالى ليس في حاجة إلى من يتوسط لديه نيابة عنا. فأنت تتجه الى الله بقلبك وكلنا قادرون على ذلك. ولكن إذا كان هذا يشفي الناس ويرفع من معنوياتهم، فلماذا نجردهم من هذه الوسيلة؟

بعض الناس إذا ذهب إلى الطبيب وجلس في انتظاره فإنه يشعر بأن الألم قد خف، وبعضهم عندما يلقاه الطبيب فإنه يقول له: والله لقد شفيت لمجرد أنني جئت إلى هنا.

وهو صادق في ما يقول. فلماذا نؤكد له أن هذا وهم. وكيف نقول إنه وهم والمريض يؤكد أن هذا ما حدث؟

هذه الفلسفة اسمها «فلسفة كأن»، أو كما لو كان.. أي كما لو كان حقيقة أو صحيحاً.

وفي حياتنا مئات الأمثلة التي ليست صحيحة ولا مؤكدة.. ولكن الإنسان يشعر أنه كذلك. ونحن نختار مثل هذه الأوهام ونعيش بها ونعيش عليها.. نؤمن مثلا بالحسد ولا نجد له تفسيراً علمياً. ولكن الذي حدث لنا ولغيرنا يجعلنا نصدق كل ذلك. فلماذا لا نصدق مثل الآخرين ما دام هذا يريحنا ويريحهم؟ وإذا قلت لها: أحبك.. وإذا قالت لك: أحبك.. فلست في حاجة إلى جهاز كشف الكذب لكي تصدقها.. وإنما أنت تصدقها وهي تصدقك ولو لم يكن هناك دليل علمي على ذلك.

وقد قام عدد من الباحثين بدراسة الرسائل التي يبعث بها الناس الطيبون الى سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة أملا في أن يوصلها إلى الله (؟!).. كل هذه الرسائل تشكو الظلم الواقع عليهم.. وتشكو الفقر والقهر والمرض الطويل. وكل هذه الرسائل تذكر أنها قد استراحت لأنها قد كتبت وعرضت مشكلتها و«الباقي عليك» – أي على سيدنا الحسين.

والمعنى أنها اعترفت فاستراحت. والباقي سوف يكمله سيدنا الحسين.. والأمل العظيم. وهذا الأمل إن لم يكن نصف الدواء فهو الدواء نفسه. فإذا استنكرنا هذه الرسائل فبماذا نعوض الناس عن هذه الراحة النفسية؟ لا شيء. إذن.. فلتبق هذه المشاعر ما دامت لا تضر أحداً من الناس!