جبهة الجبهات

TT

عاد لبنان إلى قدره: ليس هو جبهة لبنان مع إسرائيل، بل هو جبهة جبهات الشرق الأوسط. في الماضي أغلقت جميع الجبهات وفتحت جبهة الجنوب اللبناني على مداه، من صيدا إلى الحدود. وتحولت بيروت إلى مركز للتجمع الفلسطيني ومقر لقيادات الثورة الفلسطينية جميعها. وفي النهاية تعرضت لغزو شاروني وأصبحت أول عاصمة عربية تحتلها إسرائيل. وبعد خروج المقاومة الفلسطينية من الجنوب وبيروت بدأت المقاومة الإسلامية، وتم تحرير الجنوب عام 2000. لكن الصراع لم ينته. وصيف عام 2006 وقعت «حرب الأسرى» التي أدت إلى هزيمة عسكرية إسرائيلية مدوية وإلى كارثة اقتصادية لبنانية. وفور انتهائها انتقلت الحرب إلى الداخل بين اللبنانيين.

اغتيال عماد مغنية رفع درجة الحرب ووسع رقعة الصراع الاستراتيجي. ليس فقط بين «حزب الله» وإسرائيل بل بين سورية وإيران من جهة، وبين أميركا وإسرائيل من جهة أخرى. وعملية الاغتيال في العاصمة السورية هي ثاني اعتداء تتعرض له دمشق بعد الغارة الغامضة على «منشأة نووية» في دير الزور.

كانت سورية حتى الآن ترد على التحديات الإسرائيلية عبر الجبهة اللبنانية، التي تتبناها دعماً وتسليحاً. لكن اغتيال عماد مغنية أصعب وأعقد من مهاجمة مبنى بسيط في دير الزور. والرجل كان رمزاً للمقاومة ولإيران معاً، لكن اغتياله في دمشق ربط سورية بمعنى ومغزى الاعتداء. وفتح الحدث بعداً جديداً في المواجهة هو البعد غير المرئي، أي البعد الأميركي، الذي كان محصوراً حتى الآن في العراق.

على أن وجود عماد مغنية على رأس لائحة المطلوبين أميركياً يجعل اغتياله مسؤولية «مشتركة»، في نظر التحالف الثلاثي: سورية وإيران وحزب الله. ولم يترك حضور وزير خارجية إيران وممثليها العسكريين لجنازة «الحاج رضوان» شكا في ما يعنيه الرجل بالنسبة إلى طهران و«الثورة الإسلامية» في استراتيجيتها الخارجية والإقليمية.

يرافق هذا التصعيد الاستراتيجي أو العسكري، تصعيد في الصراع الداخلي اللبناني، حيث طالب وليد جنبلاط، ليس فقط «برفع الوصاية» السورية بل أيضاً «بالطلاق الحبي» مع «حزب الله». وردَّ الأمين العام للحزب بقبول الطلاق قائلا: «فليذهب طالبوه إلى أسيادهم في واشنطن وتل أبيب» وبعدما كانت 14 آذار تتهم من قبل سورية بالعمالة لإسرائيل ردت للمرة الأولى باتهام دمشق بذلك على لسان سعد الحريري. وكل ما سبق ذكره علامات على مدى حدة وتعقيد وتوسع الجبهة اللبنانية.