الناتو في أفغانستان: إما أننا نكسب ببطء أو نخسر ببطء

TT

خلال مؤتمر ميونيخ حول سياسة الأمن ألقى وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس كلمة في إطار سلسلة من التوبيخات للدول الأوروبية لعدم مشاركتها بما يكفي للأعباء في أفغانستان. وقال في كلمته «لا يجب – ولا يمكننا – أن نصبح تحالفا من درجتين بالنسبة لهؤلاء الذين يرغبون وهؤلاء الذين لا يريدون»، وسيؤدي ذلك الى «تدمير التحالف فعليا».

ولم يكن هدف الناتو لعقدين من الزمن «القتال» ولكن مناقشة دوره وأهميته. وهو يلعب دورا هاما. وتمنح احتمالات توسع الناتو حوافز للإصلاح من البلقان الى أوكرانيا. ويبدو من الحكمة الاحتفاظ بتحالف عسكري لديمقراطيات أوروبا، مع قناعة روسيا بأن حربا باردة واحدة لا تكفي.

ولكن، بمقاييس غيتس ـ الرغبة لمشاركة الأعباء العسكرية والتضحيات في قضية عامة ـ لا يكاد الناتو يعتبر موجودا. فخلال الـ15 سنة الماضية، حصلت أوروبا على مكاسب سلمية ضخمة لدرجة أن ابسط الضغوط العسكرية تجعلها يشعرها بالإرهاق. كما أن الدعم العام للقضية الأفغانية أصبح ضعيفا في أوروبا. وتبين أن خمسين في المائة من الألمان يعتقدون بضرورة انسحاب دولتهم من أفغانستان. ويبدو أن السلطات الألمانية تشعر بالفخر بمقاومة هذه الضغوط بالاحتفاظ بقوة من 3200 جندي ـ وهو رقم ضعيف من دولة غنية يزيد عدد سكانها على 80 مليون نسمة. ومن المرجح أن تؤدي سياسة ليِّ الأذرع الى مساهمة ألمانيا وفرنسا بعدة آلاف آخرين من الجنود. إلا أنه لا أحد يعتقد أن ذلك سيعتبر نقطة تحول في مسار الحرب في أفغانستان.

ونحن لا نواجه أزمة جديدة في الناتو مثلما حدث في البلقان. بل نواجه تمردا واسع النطاق في آسيا على استعداد لأعمال عنف ضد «العدو القريب» في أفغانستان وباكستان ـ و«العدو البعيد» في أوروبا والهند والولايات المتحدة.

وقد اعتاد الأميركيون على التفكير في الحرب الأفغانية باعتبارها انتفاضة لطالبان بدعم من ملاذ في باكستان. وفي الواقع نشاهد ثورة واسعة إقليمية بلا حدود في مناطق قبائل البشتون، يقع ثلثاها في باكستان. وفي جنوب أفغانستان، تضغط طالبان لاستعادة قندهار وغيرها من المناطق. وفي شرق أفغانستان، تعمل طالبان على نطاق دولة بتأثير من باكستان و«القاعدة» بهدف الاحتفاظ بالملاذ ومهاجمة أوروبا الغربية وأميركا. وفي المناطق القبلية ذات الحكم الذاتي فإن تسهيلات المدارس الدينية الكبرى تغذي الراديكالية بطموحات عالية للقتال ـ ويمارس القادة الراديكاليون للقبائل مزيدا من الضغوط على المناطق المستقرة.

ورد الفعل الطبيعي التاريخي لهذا النوع من التحديات هو دفع أموال للقبائل المختلفة والوقيعة بينهم. وقد حاولت باكستان. والمشكلة أن هذه القبائل، على العكس مما كانت عليه في الماضي تمثل تهديدا يتعدى حدودها. ويستغل الإرهابيون والراديكاليون المظالم المحلية للحصول على مدى دولي. ولذا فإن سلامتنا تعتمد على سلامة وتطوير أماكن مثل جنوب وزيرستان وسوات ـ وهي الدرس الحقيقي لـ11 سبتمبر.

إن النجاح في أفغانستان وباكستان سيتطلب التزاما على المدى الطويل. وستحتاج أميركا الى لعب دور عسكري واسع النطاق في جنوب أفغانستان، كما سيحتاج الجيش الأفغاني الى التوسع توسعا كبيرا، بينما ستحتاج القوات المسلحة الباكستانية الى التدريب والمساعدة والتحفيز لمواجهة المتطرفين في مناطق القبائل. ولكن في الوقت نفسه فإن تهديد الإرهاب يترعرع وينمو نموا قبيحا في واحدة من أبعد المناطق وأكثرها اضطرابا في العالم. إلا أن الناتو ليس على شفا خسارة فظيعة في أفغانستان. فنحن إما أننا نكسب ببطء أو نخسر ببطء.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»