خلط في الأوراق

TT

وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك يزور تركيا لمساعدتها على اقناع سورية بعملية السلام.. طبول الحرب تقرع في لبنان وبصوت عال منذرة بحرب أهلية بين الفرقاء.. قطر تسحب قواتها من الفرقة العسكرية الدولية لحفظ السلام الموجودة في الجنوب اللبناني.. باراك يصرح بأنه ليس كسلفه ولن يسمح بالممارسات الخاطئة.. عملية اغتيال لقيادي بارز في حزب الله في قلب العاصمة السورية دمشق.. نبيه بري يتحرك للذهاب الى فرنسا بعد تصريحات فرنسية عنيفة بحق الجمود السياسي في لبنان.

أحداث وأخبار متسارعة جدا ولا يمكن قراءتها ببراءة وبمعزل عن بعضها البعض، فهناك روابط «تأزيم» للوضع واضحة، وهناك نية لتوريط أطراف ومعاقبة أطراف أخرى، فلا شيء يحدث صدفة وببراءة في الشرق الأوسط وعلى الأخص في لبنان. شخصيات انتهت صلاحيتها وتجري تصفيتها سياسيا أو جسديا لتوريط أطراف أخرى و«جرها» باتجاهات محددة حتى يتم تحريك أوراق مفاضلة وتأثير في فصل جديد من فصول الشرق الأوسط .

تفريغ لبنان من مؤسسة الرئاسة كان الفصل الأول وتم بنجاح، ومن بعد ذلك تم تحويل مؤسسة البرلمان الى كيان شخصي «خال» من القدرات على التأثير وصناعة القرار، والآن يجري العمل وبجدية على تفريغ لبنان من «جيشه» بالممارسات الفعلية وإشغاله بصغائر الشرر الداخلي حتى يتم تفتيت صفوفه ليعكس حال الانشقاق الطائفي نفسه. إيران لديها إحساس كبير بأن مكانتها في العراق آخذة في التأثر وقدرتها على التأثير فيه آخذة في الانحسار، وعليه تبقى الساحة اللبنانية ملاذا مهما لتنفيذ بعض المهام السياسية والاستراتيجية لها. هناك رغبة سورية في فك الارتباط مع ايران (على الأقل هكذا تبدو الأمور حين الحكم على بعض التصريحات الصادرة), ولكن فك الارتباط يجب أن يتم بصورة مقنعة و«محبكة». باراك يريد توجيه ضربة للبنان وتحديدا لحزب الله بعد الانتقادات الشديدة للمؤسسة العسكرية في اسرائيل، وحال الإحباط الشديد الذي تواجهه نتاج المواجهة التي تمت مع حزب الله، مع عدم اغفال الاهداف الشخصية الطموحة لباراك نفسه ورغبته في العودة لكرسي رئاسة الوزراء بشتى الطرق والوسائل ولو كان على حساب ضربة عسكرية مؤقتة ومحددة في لبنان.

العداء السياسي في لبنان مستمر والأيام المتبقية على موعد الانتخابات القادمة تقترب، وحينها ستتغير نسبة الأغلبية مقابل الاقلية في البرلمان وهو ما يتوق لرؤيته أقطاب المعارضة في لبنان حتى «تشرعن» مطالبهم دستوريا وبرلمانيا. رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود اولمرت رجل مريض وضعيف الشخصية، وهو وصل للحكم لأنه كان «صبي» شارون الذي كان يعتمد عليه، وبعد مرض شارون «وجد» اولمرت نفسه في الحكم ووصل اليه بحكم عواطف مؤيدي شارون الذين أيدوا وصوله، ولكنه اليوم شخصية بلا شعبية ولا قاعدة سياسية، وبالتالي يطغى عليه حراك وزيرة خارجيته (ليفني) ووزير دفاعه (باراك) ليسيّسا اتجاهات وأولويات الخارجية، وعليه فباراك راغب في إحداث حراك «سياسي» في المنطقة من خلال نتيجة عسكرية مستغلا حال الشلل في أمريكا نتاج السنة الانتخابية، وانشغال أوروبا وقادتها بأزمات سياسية داخلية لأبرز القادة فيها. ويبقى دائما لبنان هو الذي يسدد الفاتورة ويتحمل التكاليف والأثمان، ويبقى زعماؤه يوهمون شعبهم بحقائق أخرى مزيفة وخادعة. هذا هو لبنان اليوم، وما لبنان إلا مرآة لما قد يؤول اليه الوضع عربيا إذا لم يتم التيقظ لما يحدث.