هكذا هي الدنيا

TT

إليكم هذه الواقعة وبطلاها اثنان، الأول: صاحب مستشفى، والثاني: شاب (شبه مفلس) ـ وكلا الاثنين أعرفهما معرفة بسيطة.

تعرض ذلك الشاب لمرض خطير ولم يكن له من علاج غير عملية جراحية صعبة، وهذا هو ما عرفه عندما دخل المستشفى لإجراء الفحوص.. وعندما سأل عن ثمن إجراء العملية مع الأيام التي سوف يقضيها منوماً في المستشفى وإذا بها تقارب (المائة ألف ريال) فقط لا غير.

ذهل المسكين، فمن أين له هذا المبلغ ؟!، انه لو باع كل ما يملك ومعه أيضاً ثيابه التي يلبسها فلن يستطيع تجميعه، وفي لحظة يأس قرر أن يعدل عن إجراء العملية حتى لو كان ذلك على حساب حياته، وبينما كان يتجادل في هذا الموضوع مع الموظف المختص، وإذا بمدير المستشفى الذي كان يمر بجولة تفقدية روتينية يومية على أقسام المستشفى، وإذا به يتوقف امامهما، عندما لاحظ ارتفاع نبرة صوت الشاب وانفعاله وحزنه ويأسه.

سألهما عن الحكاية، فلما عرف ما هيتها صمت برهة، ثم رفع رأسه وصوب بصره نحو الشاب وسأله: هل تعدني انك بعد أن تجري العملية وتشفى، انك سوف تعمل وتسدد ثمن العملية بالتقسيط، على أن تدفع للمستشفى كل شهر ألف ريال؟!

ـ الواقع أن ذلك الشاب عندما سمع ذلك الاقتراح، انزاحت غمة هائلة من على صدره وكأن طاقة من السماء قد انفرجت له ودخلت منها (ليلة القدر).

ـ فقال للمدير: إنني أعدك، ومستعد أن اكتب لك تعهداً بذلك، فقال له المدير بالتأكيد لابد أن تفعل ذلك، فحقوقنا لن نفرط فيها، وفعلاً كتب الشاب التعهد موثقاً بالشهود.

وبعدها أجريت العملية ونجحت، وبعد أسبوع كامل قضاها في المستشفى خرج سليماً معافى، بدون أن يدفع مقدماً ولا ريالا واحدا.

عند ذلك بدأت معركة الشاب الحقيقية مع العمل وتسديد دين المستشفى الذي تعهد بالوفاء به، واستمر طوال (ثماني سنوات) كاملة يكدح ويدفع بانتظام للمستشفى كل شهر ألف ريال.

وعندما انتهى من السداد نهائياً تنفس الصعداء، ذهب إلى إدارة المستشفى ليأخذ وصل السداد النهائي والمخالصة، فقال له الموظف المختص: إن ذلك عند المدير وعليك أن تدخل عليه، وفعلاً دخل وسلم عليه وشكره وطلب منه المخالصة.

وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها عندما سلمه المدير كامل المبلغ الذي قسطه طوال تلك الأعوام (بشيك واحد) قائلاً له: لقد أعجبني صدقك ووفاءك بوعدك ومثابرتك على العمل، وأرجو أن تقبل مني هذا المبلغ كمكافأة على ذلك.

والغريب أن المدير ـ صاحب المستشفى ـ اقترح على ذلك الشاب أن يعمل عنده، ووافق وما زال على رأس العمل، وفتح الله عليه أبواب الرزق من حيث لا يحتسب.

وهكذا هي الدنيا.

[email protected]