ليس شعرا يابانيا ولكن يبدو كذلك!

TT

منذ شهر في باريس دعاني صديقي د. بطرس غالي إلى الغداء مع السيدة زوجته. وكان لا بد من الكلام في السياسة وعن السياسة، أما اللعنات يمينا وشمالا فهي من مستلزمات السياسة، ونحن أحرار نشتم بلادنا وأهلنا ونضيق بحاضرنا ونقلق على مستقبلنا، ولا أعرف كيف نواصل الكلام عن اليابان، وفي هذه الحالة نسرف في الإطراء على اليابان وأهلها وماضيها ومستقبلها، وكيف أنهم الشعب الوحيد الذي قام بثورة بيضاء في كل التاريخ.

لقد انقلبوا على حاضرهم بأظافر تحدياتهم وأملهم، وغيروا اليابان وقفزوا بها إلى المستقبل بلا قطرة دم.. ولكن بما لا نهاية له من قطرات العرق والحرمان، وكيف أن اليابان أقفلت على نفسها الأبواب والشبابيك وصنعوا اليابان الحديثة، وكانت المعادلة عندهم بسيطة جدا: هل نوفد عشرات من أبنائنا يتعلمون وبعد سنوات يعودون ويعلمون الألوف أو نأتي بالخبراء بالعشرات يعلمون مئات الألوف..

وجاءوا بالخبراء بالعشرات ليعلموا مئات الألوف.. ثم قال د. بطرس غالي إنه ذهب إلى اليابان ورأى معابدها ومصانعها. ويبدو أن د. بطرس قد تعلم بعض الأبيات من الشعر الياباني، وأدهشني أنه قالها بسهولة، ولما أبديت دهشتي اكتشفت أن الذي قاله ليس شعرا يابانيا.. وإنما شعر عربي مصري، ولكن طريقة د. بطرس في النطق والإلقاء هي التي أوهمتني بأنه باللغة اليابانية.. أما الشعر فكان لحافظ إبراهيم نظمه سنة 1905 بعد هزيمة الأسطول الروسي أمام الأسطول الياباني، وكانت هذه هي القنبلة التي أضاءت سماء القارات الخمس تعلن عن ميلاد عملاق آسيوي:

كنت أهوى في زماني غادة

وهب الله لها ما قد وهبا

ذات وجه مزج الحسن به

صفرة تنسي اليهود الذهبا

ويقول:

هكذا (الميكادو) قد علمنا

أن نرى الأوطان أما وأبا

تلك يكفيك منه أنه

أنهض الشرق فهز المغربا

وحتى لا يخلط د. بطرس الشعر الياباني بالشعر المصري وعدته بأن أعود إلى ديوان حافظ إبراهيم لأفهم الذي قاله على لسان بطرس!