التنكيت الذاتي

TT

للتنكيت استعمالات وقنوات متعددة. لمعظم الامم اقليات تنكت عليها. البريطانيون يضحكون على الارلنديين والطليان على الصقليين، والمصريون على الصعايدة، والسوريون على الحمامصة. وشاعت في العراق النكت الكردية التي اوغل فيها سكان بغداد في التنكيت على الكرد وسذاجتهم. ولكن بعد ان اكتشفوا لوذعية الكرد وذكاءهم في تحقيق أمانيهم، لم يبق لأهل بغداد ما ينكتون به عليهم فراحوا الآن ينكتون على الدليميين.

بيد ان الاكراد اخذوا في الايام الاخيرة ظرف النكتة الكردية فراحوا ينكتون بها على انفسهم. فمن اعلى مستويات الفكاهة التنكيت الذاتي. فهذا نوع من الظرف يعتمد على الثقة بالنفس. برع فيه بصورة خاصة الانكليز. فطالما تسمعهم ينطلقون في سرد النكات على انفسهم. تفنن في ذلك برناردشو. ففي كل مسرحية من مسرحياته تقريبا توجد شخصية انكليزي يسخر منها. يسمعون ذلك فيستغرقون في الضحك ولا يستاءون. السر في ذلك ثقتهم بأنفسهم.

من الواضح ان شيئا مشابها قد اجتاح الساحة الكردستانية الآن. فمما اتذكره في السابق ان الاكراد كانوا يغضبون من التنكيت عليهم. واعتقد ان النكتة الكردية كانت من اسباب التشنج بين العرب والكرد وساهمت في خلق الضغائن ومشاعر الاضطهاد. كنت شخصيا أتردد في رواية اي نكتة على الاكراد في حضور اي صديق كردي. ولكن الوضع تغير الآن. ولا شك ان هذا التغير والاستعداد الكردي للتنكيت على النفس جاء نتيجة لتعاظم ثقتهم بأنفسهم وبقوميتهم. ألتقي في هذه الايام بصديقي عطا المفتي في مكاتب هذه الجريدة فنتبادل النكات على الاكراد دون اي شعور بالحرج.

قرأنا في الصحف ان مسعود بارزاني يرفض اداء التحية للعلم العراقي الحالي. نبهوه الى ذلك فأجاب قائلا ان هذا العلم هو علم صدام حسين. كيف اؤدي التحية له؟ غيروا العلم لأقوم بالتحية. ذكروا ذلك للرئيس جلال طالباني. فأجابهم مام جلال وقال، اذا كان هذا ما يريده الأخ مسعود فما اسهل من ذلك. غيروا العلم. أزيلوا عبارة «الله اكبر» منه واكتبوا «الله جل جلاله!».

الظاهر ان لهذا التنكيت الذاتي عمقا تاريخيا في الذهنية الكردية. روى لي زميلي رشيد الخيون انه عندما طالب الشيخ محمود الحفيد الانكليز بأن يحققوا لكردستان استقلالها حسب ما وعدوا به في معاهدة سفر، بعث المندوب السامي البريطاني الكولونيل ولسن، بضابط من معيته الى السليمانية ليفاوض الشيخ محمود في الأمر. قال له ان حكومة صاحب الجلالة البريطانية مستعدة لإعطاء كردستان الاستقلال وتعيين الشيخ محمود ملكا عليها على شرط واحد وهو الا يقوم الشيخ الملك بأي شيء مهما كان صغيرا او كبيرا بدون امر من المندوب السامي. استمع الزعيم الكردي لذلك ثم قال للموفود البريطالني، «خليني افكر بالموضوع». فكر بالموضوع ثم اجتمع به في اليوم التالي وقال له: «حسنا، ولكن عندي فكرة اخرى. وهي ان يصبح الكولونيل ولسن ملكا على كردستان واكون انا المندوب السامي له».