خلع مثقف!

TT

أقامت سيدة مصرية دعوى قضائية تطالب فيها بخلع زوجها لأنه مثقف، يغلق على نفسه باب غرفته لساعات طويلة كل يوم من أجل القراءة، حتى غدت الحياة معه مستحيلة على حد قولها.. وذكرتني دعوى تلك السيدة بموقف صديقي الذي لديه قناعة مطلقة بأن العيش مع المثقفين يصيب الإنسان بالاكتئاب، ويصفهم بأنهم أناس يشقون بوعيهم، فهم يعرفون جيدا مخاطر ثقب الأوزون، والتلوث الغذائي، ومحاذير التسلح النووي، وخرافة حقوق الإنسان، حتى لينطبق عليهم قول الشاعر:

ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله ... وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم

وهو يرى لو أن شقاء المثقفين هذا يقتصر عليهم لهان الأمر، لكنه ينتشر بالعدوى فيلامس كل من حولهم ممن ينعمون بجهلهم بعيدا عن تعقيدات الثقافة، ودائما ما يدلل صديقي بصاحب لنا ينعته بالمثقف المأزوم، فهو يشعره ـ كما يقول ـ حينما يلتقي به أن السماء سوف تطبق على الأرض، وأن الحرب العالمية الثالثة واقعة لا محالة في الغد أو بعد غد، إذ أنه دائم الحذر، يتوجس من كل شيء، ولا يطمئن لأي شيء، يقوم بتأويل جل ما يسمع، ولا يصدق كل ما يرى بحجة خداع البصر.. ولم يتردد صديقي في رفض مثقف تقدم لخطبة ابنته، وهو يردد:

ـ «هل أنا أكره ابنتي إلى هذا الحد كي أزوجها على ذلك المثقف؟!»..

وتوصلت إلى هذه النتيجة أسرة الأديب الفرنسي المعروف «جوستاف فلوبير»، وهم يرون ابنهم يتجه صوب الثقافة ليصيح كبيرهم قائلا:

ـ «نحن آل فلوبير لا نريد أن يكون بيننا آفاقون وشعراء ومثقفون»!

وفعلت نفس الشيء الفتاة التي هام بها أديب الإنجليزية الكبير شارلز ديكنز، التي رفضت خطبته منها، وهي تقول: «إن ديكنز شاب لطيف لكنه مجرد مثقف وأديب، فهل يستطيع أن يعولني بقلمه».

والنظر إلى مثالب المثقفين لم يقتصر على صديقي هذا، وآل فلوبير، وحبيبة شارلز ديكنز، فلقد أسهب الأديب الروسي الكبير تشيكوف في الحديث عن انتهازية المثقفين، واستعلائهم، وأنانيتهم، وعجرفتهم، وفظاظتهم..

والآن بينما أنشغل في كتابة هذه السطور، تتعالى صيحات أحد لاعبي «الدمينو» يعلق على منافسه قائلا:

ـ غشيم ما تفرق بين «الشيش» و«البيش»!

وكانت تطل من شاشة التلفاز هيفاء وهبي تغني:

«رجب.. حوش صاحبك عني

رجب.. صاحبك جنني»

فسرحت في تأمل «شهامة رجب» باعتبارها قضية ثقافية..

عاشت الثقافة..

دام «المثقفون».